مواقف وعبر (39): اجلس أُعلَّمُكَ عِلم سعيد!!
[…]
من الثابت في السنة النبوية أن النار لا تمس العين التي باتت تحرس في سبيل الله، تلك العين التي وقفت على الحدود تراقب قدوم العدو والتي باتت تعمل ليلاً في إعداد الخبز والطعام للمجتمع المسلم، والتي باتت في أقسام الاستقبال والطوارئ في المستشفيات لإنقاذ حياة المسلمين، والتي باتت وسهرت لتحصيل العلم وتدارسه ونشره، والعيون التي باتت تحرس أملاك وأرواح المسلمين في الداخل، والتي باتت في المطار تنظم السفر في ديار المسلمين والتي باتت تُمرّض الأبناء والآباء المرضى في البيوت بأمراض تحتاج إلى الرعاية الدائمة كلها، وغيرها عيون باتت تحرس في سبيل الله.. وفي الموقف التالي نعيش مع عيون باتت تحرس أموال المسافرين والتجار من السرّاق فكانت في عبادة الله وفي سبيل الله.
[…]
تحتاج الشعوب إلى الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة، فالتعليم والتعلّم بالقدوة أو الأسوة من أفضل الوسائل التربوية الفعالة والناجحة.
[…]
الموقف:
فرح المسلمون فرحًا غامرًا لفتح الإسكندرية بمصر وقد بعث عمرو بن العاص معاوية بن خديج إلى عمر بن الخطاب في المدينة المنورة، قال معاوية: فقدمت المدينة في الظهيرة فأنخت راحلتي بباب المسجد..
[…]
لم تستطع القوة الحربية الرومانية أن تحمي حصونها من قوة المسلمين في فتح مصر واستطاعت حمامة أن تحمي الفسطاط وتحول دون هدمه أو نقله من مكانه، إنها القوة التي أعطاها الإسلام لهذا الطائر الضعيف وفراخه والاستجابة التي طبقها قائد المسلمين، إنها معجزة من معجزات الإسلام الخالدة في حفظ حقوق الحيوان والنبات والجماد علاوة على حفظهم لحقوق المخلوق المكرم -الإنسان- تلك الحقوق التي لم تحفظها جيوش الغرب الغازية وحمتها جيوش الإسلام الفاتحة والموقف التالي يبرهن على ذلك.
[…]
كان من الجيوش الإسلامية التي غادرت المدينة المنورة لحرب الروم جيش يزيد بن أبي سفيان فكان مما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليزيد:
إني قد وليتك لأبلوك وأُخَرَّجك، فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك، وإن أسأت عزلتك، فعليك بتقوى الله فإنه يرى من باطنك مثل الذي من ظاهرك، وإن أولى الناس بالله أشدهم توليًا له، واقرب الناس من الله أشدهم تقربًا إليه.
[…]
ما أراد سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن يفتح الشام دعا أهل الرأي والمشورة: عمر، وعثمان وعليًا، وطلحة، والزبير، وعبدالله بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبا عبيدة بن الجراح، ووجوه المهاجرين والأنصار من أهل بدر وغيرهم فدخلوا عليه فقال رضي الله عنه:
[…]
كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الأمل في نفوس الصحابة دائمًا في المستقبل وقد بشرهم بفتح الحيرة ووصف لهم شُرَفَ قصورها.
[…]
في المواقف الصعبة والحاسمة تبرز معادن الرجال ورجاحة عقلهم وحسن تصرفهم وإنقاذ الناس من الوقوع في الفتنة، إنهم رجال يسوقهم الله تعالى لتوحيد الكلمة وإنقاذ الأمة من الوقوع في مهْلكة التنازع المؤدي إلى الفشل وذهاب الدولة كما قال تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46].
إنهم رجال الدولة، والمواقف التالية تجسد تلك المعاني عمليًا.
[…]
من الخُلق الإسلامي الرفيع الذي يكاد يختفي من حياة المسلمين الاعتراف لأهل الفضل بفضلهم ولو بعد عهد طويل، ومن الأمثال المضادة لهذا الخلق النبيل قولهم (اتق شر من أحسنت إليه)، وعندما يسود خلق النذالة والخسَّة ونكران الفضل والجميل تضيع المروءة والشهامة والرجولة وتخسر البشرية هذا الخلق النبيل.
[…]