بقلم الدكتور نظمي خليل أبوالعطا

– يهتم الآباء اهتمامًا بالغًا بتحصين أبنائهم ضد الأمراض المعدية، ويوجد جدول تحصينات زمني لجرعات التحصين حتى نجنبهم الأمراض المزمنة كشلل الأطفال والالتهاب السحائي والكبدي. وبعض الدول تعاقب المتخلفين عن تحصين أبنائهم وهذا أمر مطلوب ومحمود ولا يعرف الكثير كيف يحصنون أبناءهم ضد الإلحاد والكفر لحمايتهم من الخلود في النار وقد نبهنا الله تعالى لذلك فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا الناسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم (6). إنه أمر من الله بتحصين الأولاد ضد النار والهوان والخلود في العذاب.

– والبعض يفاجأ بأن ابنه أو بنته قد أصابهما مرض الإلحاد العضال وظهرت عليهما أعراض المرض من الهذيان العقائدي والتحلل من الحلال والحرام وإباحة الشذوذ والمثلية، هذا المرض ناجم عن الإهمال في تحصين الأبناء ضد هذا المرض العضال.

– ومن خلال تخصصي التربوي فإني أنصح الوالدين باتباع الخطوات التالية لتحصين الأولاد من آفة الإلحاد المهلكة.

– عليك بالتربية الإيمانية لأبنائك وأن تبتعد في تربيتك لهم عن الإفراط أو التفريط في التربية، فالوالد القاسي الذي يرغم أولاده على الالتزام بالدين والصلاة والصيام واللباس الشرعي بالقوة والقهر، وتخويفهم الدائم بالنار والعذاب والوعيد فيتربى الأبناء على الخوف المرَضي (بفتح الميم والراء) من الله ويهمل هذا الوالد جانب الوعد والرحمة والحب والحنان في المراقبة لله تعالى فتكون النتيجة النفور من الدين ومن العبادات ومن اللباس الشرعي، الوالد الذي يقرع أبناءه دائمًا بأنه يعمل ليل نهار من أجلهم ويصور نفسه لهم بأنه الرازق وينسى أن يربط الرزق والنعيم بالمنعم الرزاق المتين هذا جانب من التربية بالإفراط والوعيد، ومن الآباء من يتركون لأبنائهم الحبل على الغارب في السلوكيات ويغدق عليهم في العطاء ودائمًا يقول لهم أنا ألبي طلباتكم والمطلوب منكم التفوق في الدراسة والحصول على التقديرات، وينسى هذا الوالد جانب الوعد والاتزان في التربية فيركز على الدراسة كما لا يهتم بالجانب الخلقي والتربية الإيمانية التي تعلمهم المراقبة لله تعالى والشكر العملي على النعم وفق القاعدة التربوية النبوية (اتق الله حيثما كنت) والقاعدة الثانية (احفظ الله يحفظك) وأن شكر النعمة يحتاج إلى مراقبة الرزاق سبحانه وتعالى وبذلك تربي الأبناء على التربية السوية المادية الإيمانية.

– وأن ندرب الأبناء على تقبل القضاء والقدر وعدم الجزع المرضي من المصائب والخوف المرضي من المرض والفقر وعدم التوفيق، المهم أن نربيهم على أن العبد عليه الاجتهاد في العمل أما النتائج بعد اتقان العمل فهي موكلة لله تعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً وأن العبد مثاب على عمله الصالح إن عاجلاً أو آجلا، فنحن عبيد للرحمن الرحيم الذي كتب على نفسه أنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وقد يكون في التأخير في جني المحصول رحمة من الله وتربية من العليم الخبير لعباده المؤمنين ولنا في خرق السفينة في سورة الكهف مثال لبيان أن رحمة الله وعونه تكمن في قضائه وقدره الذي لا يعلمه الا الله، وبذلك تربي شخصية سوية، قوية، مؤمنة، مجتهدة متيقنة بالله تعالى أنه لا يضيع أجر من أحسن عملاً وهو مؤمن. (انظر كتابنا بناء الشخصية الإسلامية في السيرة النبوية).

– وإلحاقا إلى التربية السابقة علينا أن نركز على خلق الصدق وأهميته للفرد السوي القوي الذي يستمد قوته من رضا الله عليه ومن الهدي النبوي أن مداومة الصدق تضم الإنسان إلى قائمة الصديقين والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة (119). وصفة الصدق وخلق الصدق وتربية الصدق تحتاج إلى قدوة ونماذج عملية كما حدث مع الثلاثة الذين خُلفوا (حَتَّى إذا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة (118).

– على الوالد أن يجعل من الحوار والنقاش وتبادل الآراء منهاجًا لأسرته وتربية الأبناء على تقبل نتيجة الحوار من دون قهر أو إذلال، وعلى الأبناء أن يعيشوا مواقف المودة والرحمة والحوار بين الأم والأب وبذلك نربي أبناءنا على الحب والحنان والعطف والرحمة، فكثير من الملحدين يصرحون بأن تربيتهم كانت تربية قاسية لا حب فيها ولا مودة ولا دفء أسري، انظر إلى تربية لقمان لابنه قال تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحكْمَةَ أَن اشْكُرْ للَّه وَمَنْ يَشْكُرْ فَإنَّما يَشْكُرُ لنَفْسه وَمَنْ كَفَرَ فإن اللَّهَ غَنيٌّ حَميدٌ(12) وَإذْ قالَ لُقْمانُ لابْنه وَهُوَ يَعظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْركْ باللَّه إنَّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ (13)». لقمان.

– ثم قال (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أو فِي السَّمَاوَاتِ أو فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(17) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) لقمان (16-19).

– إنها تربية الأبوة الحكيمة فبدأ في تعليمه بقدر الله وتوحيده، وقدرته، وواجب الولد تجاه رب العالمين وتجاه عباد رب العالمين.

– تربية تحصن الولد في أبوة وحنان (يا بني) تقي الولد من الشرك والغرور والفساد.

– وعندما ربى سيدنا إبراهيم ابنه على التوحيد والطاعة لرب العالمين قال تعالى: (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ(101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) الصافات (101-102).

– هكذا ربى إبراهيم ابنه على الطاعة لرب العالمين والطاعة للوالد في هذه المواقف العصية، إنها التربية الإيمانية السوية المؤسسة على الحب لله، والطاعة لله، فأين نحن من هذه التربية الإيمانية، إن خلف كل ملحد تربية أسرية وتعليمية وعلمية خاطئة في أهدافها، ومناهجها والخلل في المنفذين لهذه التربية من الآباء والمعلمين والقائمين على أمر الإعلام وإعداد المناهج التربوية للعملية التعليمية التعلمية التي أدت إلى تفشي الإلحاد في ديارنا ووسائل إعلامنا والعياذ بالله.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٦٤٣ – الجمعة ٢٢ يناير ٢٠٢١ م، الموافق ٩ جمادى الثاني ١٤٤١ هـ