التربية المشروعة هي التربية السوية غير السيئة التي تحافظ على الجسم والنفس والعقل والدين والعلاقات الطيبة بين الناس، وقد فطن المرجفون فاعلية هذا النوع من التربية في تهذيب النفوس وعودتها إلى الله عودة سوية فعمدوا إلى إفساد جهلاء المسلمين وجعلهم قدوة في محاسبة النفس وتربيتها بطرائق غير مشروعة والإدعاء أن في نهاية هذا الطريق المنحرف سيتحد العبد بالرب، ويصير العبد ربًا قادرًا على فعل الخوارق والمعجزات وهذه الحالة هي قمة الفساد للدين والمواقف التالية تجسد ذلك:

المواقف:

قال أبو المواهب عبدالوهاب بن أحمد الشعراني الصوفي صاحب «طبقات الصوفية» في حديثه عن بعض شيوخ الصوفية المخالفين لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في التربية وما كانوا يلزمون به أنفسهم من مجاهدات مرفوضة شرعًا وعقلا يقول أبو صالح عبدالقادر الجيلي:

قاسيت الأهوال في بدايتي، وما تركت هولا إلا ركبته، وكان لباسي جبة صوف، وعلى رأسي خريقة، وكنت أمشي حافيًا في الشوك وغيره، وكنت أقتات بخرنوب الشوك وقمامة البقل وورق الخس من شاطئ النهر، ولم أزل آخذ نفسي بالمجاهدة حتى طرقني من الله تعالى الحال فإذا طرقني صرخت، وهممت على وجهي، سواء كنت في صحراء أو بين الناس، وكنت أتظاهر التخارس والجنون، وحملت مرارًا إلى البيمارستان «المستشفى».

وكان يقول: أقمت في صحراء العراق وخرائبه خمسًا وعشرين سنة مجردًا سائحًا لا أعرف الخلق ولا يعرفونني.. ومكثت سنة في خرائب المدائن آخذ نفسي بطريق المجاهدات [الطبقات الكبرى 188 المسمى بـ لواقح الأنوال في طبقات الأخيار – نقلا عن موسوعة الأخلاق، خالد جمعة بن عثمان الخراز، مكتبة أهل الأثر، الكويت ص: 66. 2009م].

وفي ترجمة أخرى لمحمد السروري المشهور بأبي الحمائل.. كان يغلب عليه الحال فيتكلم بالألسن العبرانية والسريانية والعجمية، وتارة يزغرد في الأفراح والأعراس كما تزغرد النساء، وجاءه الشيخ علي الحديدي يطلب منه الطريق، فرآه ملتفًتا إلى نظافة ثيابه فقال: إذا كنت تطلب الطريق فاجعل ثيابك ممسحة لأيدي الفقراء، فكان كل من أكل سمكًا أو زفرًا يمسح يده في ثوبه مدة سنة وسبعة شهور، حتى صار ثيابه كثياب الزّيّاتين أو السماكين، فلما رأى ثيابه لقنه الذكر وجاء منه في الطريق وأخذ عنه تلاميذ كثيرة. [الطبقات الكبرى للشعراني 188. نقلاً عن المرجع السابق، ص: 67].

العبر:

أظن والعلم عند الله أن هذه مسّات من الشياطين وأمراض نفسية وسوء تربية، فهي صور ممقوتة ولسلوك المجانين أقرب من سلوك الأسوياء وللأسف جاء على المسلمين أزمنة اعتبروا هؤلاء هم أولياء الله الصالحين وعندما ماتوا بنوا لهم الأضرحة وأجروا على خُدّامهم النذور وقد ساعد الاستعمار على نشر هذا السلوك المهين لصرف المسلمين عن الدين والجهاد ومقاومة الاستحمار المسمى بالاستعمار. قال خالد الخرّاز في المرجع السابق عن المواقف السابقة قال: هذا التصرف يدل على جهل في الدين، وفساد في العقل، وانتكاسة في القيم، ودليل على ضعف في العلم الشرعي الصحيح، وانحراف عن عقيدة أهل السنة والجماعة في التزكية والتربية.

تأمل – أحسن إليك التوفيق – هذه الانتكاسة في تهذيب النفس، وردها إلى الطريق القويم، فالعقوبة المشروعة التي يجوز للعبد أن يأخذ بها في مجاهدة نفسه أن يلزمها الطاعة بقدر لا يخل بالواجبات الأخرى، لا أن يوردها موارد الهلاك من إتلاف عضو من جسمه، أو تقليل مطعم، أو تبذل في لباس، أو إرهاق النفس، وحرمانها مما أباح الله أو أكل الطيبات وغير ذلك مما يتنافى عن آداب الإسلام.

فأنفع الطاعات ما كان عملا صالحًا من الأعمال كالصدقة، وصيام عدة أيام وقيام ساعات الليل، وذلك يختلف باختلاف النفوس وقوة صبرها.

وقد ألمح الإمام ابن القيم رحمه الله إلى ذلك فقال: من الناس من تكون قوة صبره على فعل ما ينتفع به وثباته عليه أقوى من صبره عما يضره، فيصبر على مشقة الطاعة، ولا صبر له على داعي هواه إلى ارتكاب ما نُهي عنه، ومنهم من تكون قوة صبره على المخالفات أقوى من صبره على مشقة الطاعات ومنهم من لا صبر له هذا وذاك وأفضل الناس أصبرهم على النوعين، فكثير من الناس يصبر على مكابدة قيام الليل في الحر والبرد وعلى مشقة الصيام، ولا صبر على نظرة محرمة. [عدة الصابرين، ص: 26].

وعلى هذا يمكن للعبد أن يلاحظ الأعمال التي تشق على نفسه، فيجعلها عقوبة له يؤدب بها تلك النفس إذا وقعت في معصية أو فرضت في طاعة.

فالتشديد على النفس ومنعها مما تحب لفترة محدودة ترويض لها وتليين لطبعها، وعلاج لأمراضها وهو بمنزلة الدواء الذي يشربه المريض وهو كاره له، رجاء أن يكون سببًا في الشفاء بإذن الله تعالى. [موسوعة الأخلاق، خالد جمعة بن عثمان الخراز، مكتبة أهل الأثر – الكويت – ص: 67].

تلك الصور الممقوتة لتربية النفس تنفر الناس من الدين والمتدين والمسلم والداعية شامة بين الناس ملبسه طيب، ورائحته طيبة، ومسلكه طيب، ومجالسته طيبة، وحديثة مؤنس وطعامه من الطيبات وهذا ما تعلمناه من الهدي النبوي ومن سلوك الصحابة رضوان الله عليهم وخلاف ذلك إفساد للدين وتنفير من المتدينين.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع  الصائمين – العدد : ١٤٦٨٧ – السبت ٠٩ يونيو ٢٠١٨ م، الموافق ٢٤ رمضان ١٤٣٩هـ