استهان أحد المنكرين لوجود الخالق بقول الله تعالى: ‭{‬وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ‭}‬ النحل: 8، وهذا الاستهزاء من الجهل المركب الذي تتميز به هذه الفئة من البشر، فلو علم القيمة العلمية والاقتصادية والبيئية والجمالية والفنية والأدبية ما تفوه بكلماته الدالة على جهله المركب.

– ومن يطلع على كتب التنوع الحيوي وتصنيف الحيوان والتشريح المقارن يعلم طلاقة القدرة الإلهية في الخلق والإبداع في التنوع في الشكل الظاهري والوظائف الحيوية للخيل والبغال والحمير وكذلك التركيب الجيني، ويكفي هذه الكائنات شرفًا أن الخالق سبحانه وتعالى كرمها بذكرها في القرآن الكريم في معرض المدح والخلق.

– بين الأستاذ الدكتور حسين فرج زين الدين في كتابه القيم أطلس ثدييات العالم أن هذه الأجناس الحيوانية الواردة في الآية (8) من سورة النحل تصنف تحت رتبة فردية الحافر Perissodactyla وقال: هي رتبة من الثدييات تنتمي إلى الحيوانات الحافرية وهي حيوانات كبيرة الحجم لها عدد فردي من الأصابع وعادة من تكون الأصبع الوسطى كبرى هذه الأصابع.

– ويبين أنها تتبع العائلة الخيلية Equidae وهي تضم الحمار والبغل والفرس (Equas) والزبرا، والفرس هو الجنس الوحيد الذي تقوم عليه العائلة الخيلية وله كل مميزاتها ومواطنها وينطوي تحت هذا الجنس الزبرا والحمار والحصان، والزبرا حيوانات بيضاء أو بيضاء مشوبة مخططة بشرائط سوداء وهي ثلاثة أنواع زبرا جبلي، زبرا جريفي وزبرا كواج.

– وعن جنس الحمار قال: هناك اختلافات عديدة بين الحمير الوحشية والحمير الأهلية، فالحمار الوحشي سريع العدو يركض بسهولة على الصخور وفوق الرمال في سرعة الحصان، والحمير الوحشية تعيش في قطعان يبلغ عددها أحيانًا ألف رأس.

– وجاء في معجم الحيوان من قاموس القرآن أن الحمير أبطأ من الخيل سيرًا ولكنها أثبت منها أقدامًا وأقدر منها على حمل الأثقال عبر الأراضي الوعرة، وقال عن البغال: ويحصل الناس على البغال بالمزاوجة بين حمار (ذكر) وفرس أنثى، والبغل يرث -بصفة خاصة- قوام أمه، ويرث عن أبيه الحمار أذنيه الطويلتين وحوافره الصغيرة وذيله الذي ينتهي بخصلة شعر وتواضعه ولين جانبه، فالبغل من الناحية العملية يجمع بين الجنسين: قوة الأم وفراهتها وطواعية الأب والقيادة وهو أفضل كدابة حمل من كلا الأبوين فهو أثبت منهما قدمًا وأكثر تحملاً للظروف والأجواء المناوئة، وأجدر على حمل أثقال أكبر، وعلى مقاومة الأمراض وأقل حاجة إلى العناية والرعاية، ولقد استخدمت البغال في آسيا الصغرى منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام ومازالت تستخدم كدواب حمل ونقل عظيمة النفع في أماكن مختلفة من العالم.

وجاء عن الخيل في معجم الحيوان (المرجع السابق): وقد عدد الثعالبي مثلاً في كتاب فقه اللغة عشرين لونًا لها فإذا كان الفرس أسود فهو أدهم، وإذا خالط بياضه أدنى سواد فهو أشهب، أما إذا خلا بياضه من السواد فهو أشهب قرطاسي، أما إذا كان أحمر خالصًا فهو أشقر، فإذا خالط حمرته سواد فهو كُميت، أما إذا كان بين الأشقر والكميت فهو ورد وهكذا بل إن الثعالبي يسرد عشر درجات من ترتيب البياض في جبهة الفرس ووجهه، وثلاثًا وعشرين في بياض سائر أعضائه، ويذكر ثمانية أوصاف لكرمه واثنين وعشرين لسائر أوصافه المحمودة خَلْقًا وخُلُقًا. أما عن ضروب جري الفرس وعدوه فيذكر الثعالبي تسعة عشر، ويرتب خمس درجات من عدو الفرس من الخبب إلى الإهماج كذلك يذكر ألقاب السوابق الثمانية أو العشرة من الخيل.

– وقال: والحصان العربي أول سلالة محسنة من الخيل وهو يقدر تقديرًا عالميًا لسرعته وقدرته على التحمل، وجماله، ورقته، ويعتقد أنه ربي في الجزيرة العربية في القرن التاسع عشر الميلادي، ولكنه أورث مواهبه لمعظم السلالات الحديثة من الخيل الخفيفة ومن فروعه: الحصان العربي المصري، والفارسي، والأندلسي، وأفضل خيل السباق استنبط بالتهجن بين الخيل العربية والانجليزية والتركية. والحصان العربي وثيق البنيان، صغير الحجم والرأس نسبيًا، له عينان بارزتان ومنخاران واسعان، ومتن قصير وفي عموده ثلاث وعشرون فقرة (مقابل أربع وعشرين في السلالات الأخرى) متوسط ارتفاعه (152) سنتيمترا ويتراوح وزنه بين (360) و(450) كيلوجرامًا، أرجله قوية وحوافره دقيقة، وشعر كساء الجسم المعرفة رفيع حريري الملمس ويسود فيه اللون الأشهب. وتمشي الخيل على طرف إصبعها الثالثة والوحيدة التي يحيط سُلامها الآخرة حافر قوي، وكانت عُدة الخيل للحياة منذ حياتها البرية الأولى، عدْوها السريع ووضع عينيها الكبيرتين في رأسها الطويل، وهذا يؤهلها لرؤية العدو حتى إذا كانت ترعى الحشائش القصيرة على الأرض وللفرار من اللواحم الكبار التي تستطيب لحمها، والحصان حيوان ذكي، وتعتمد الفروسية على حسن الجمع بين الإتزان والجلسة واستخدام اليدين والرجلين، ويحتاج تدريب الفرس إلى كثير من الصبر والحزم واللطف، ويمكن بالتدريب صقل مواهب الحصان (الفطرية) على القفز فيبرع في اجتياز العقبات متباينة الأشكال والحجوم (انتهى بتصرف). (انظر ص 125 و126) من معجم الحيوان المرجع السابق.

– وهكذا يدحض علم العلماء الجهل المركب للبلهاء الذين يسخرون من ذكر الله تعالى للخيل والبغال والحمير في قوله تعالى: ‭{‬وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ‭}‬ النحل: 8.

وقد اختتم الله تعالى العليم الآية بقوله تعالى (ويخلق ما لا تعلمون) من الخامات والقوانين والعقول القادرة على صناعة السيارات والطائرات والصواريخ وغير ذلك من الصناعات الحديثة. هذا وبالله التوفيق.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٥١٩ – الجمعة ١٨ سبتمبر ٢٠٢٠ م، الموافق ٠١ صفر ١٤٤٢هـ