من التجمعات القرآنية التي تشغل اهتمام العديد من المسلمين تجمع يأجوج ومأجوج، وتجمع هاروت وماروت، لذلك دارت حولهما الآراء وكثرت واختلفت وانشغل البعض بهما انشغالا عجيبًا، وبدلا من الانشغال بالقضايا انشغلوا بالأسماء، فضاعت الفوائد ولم يجن الناس شيئًا من الأسماء، وقد علمنا الله سبحانه وتعالى في قصة أهل الكهف أن لا ننشغل بالأعداد ولكن ننشغل بالفوائد المجنية من الأحداث.

– قال تعالى: «وَاتَّبَعُوا مَا تَتلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلكِ سُلَيمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ وَلكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى المَلَكَينِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِن أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحنُ فِتنَةٌ فَلا تَكفُر فَيَتَعَلَّمُونَ مِنهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَينَ المَرءِ وَزَوجِهِ  وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِن أَحَدٍ إِلا بِإِذنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُم وَلا يَنفَعُهُم وَلَقَد عَلِمُوا لَمَنِ اشتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ وَلَبِئسَ مَا شَرَوا بِهِ أَنفُسَهُم لَو كَانُوا يَعلَمُونَ (102) وَلَو أَنَّهُم آمَنُوا وَاتَّقَوا لَمَثُوبَةٌ مِّن عِندِ اللَّهِ خَيرٌ لَّو كَانُوا يَعلَمُونَ» البقرة: 102-103.

– هؤلاء اليهود لما نبذوا كتاب الله اتبعوا ما تتلوا الشياطين، وتختلف من السحر على ملك سليمان، حيث أخرجت الشياطين للناس السحر، وزعموا أن سليمان عليه السلام كان يستعمله وبه حصل له الملك العظيم، وهم كذبة في ذلك فلم يستعمله سليمان قال الله تعالى: «وَمَا كَفَرَ سُلَيمَانُ» أي: بتعلم السحر فلم يتعلمه (ولم يعمل به) «وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا» في ذلك «يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحرَ» من إضلالهم وحرصهم على إغواء بني آدم كذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين الكائنين بأرض بابل من أرض العراق. أُنزِلَ عليهما السحر امتحانًا وابتلاءً من الله لعباده فيعلمانهم السحر «وَمَا يُعَلِّمَانِ مِن أَحَدٍ حَتَّى» ينصحاه و«انَّمَا نَحنُ فِتنَةٌ فَلا تَكْفُر» أي: لا تتعلم السحر، فإنه كفر، فينهيانه عن السحر ويخبرانه عن مرتبته، فتعليم الشياطين للسحر على وجه التدليس والإضلال، ونسبته وترويجه إلى من برأه الله منه وهو سليمان عليه السلام، وتعليم الملكين امتحانًا مع نصحهما لئلا يكون لهم حجة، فهؤلاء اليهود (ومن تبعهم من النصارى) يتبعون السحر الذي تعلمه الشياطين والسحر الذي يعلمه الملكان، فتركوا علم الأنبياء والمرسلين وأقبلوا على علم الشياطين وكُلُّ يصبو إلى ما يناسبه.

ثم ذكر مفاسد السحر فقال «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَينَ المَرءِ وَزَوجِهِ»، ثم ذكر أن علم السحر مضرة محضة ليس فيه منفعة دينية أو دنيوية «وَلَقَد عَلِمُوا» أي اليهود ومن تبعهم «لَمَنِ اشتَرَاهُ»: أي رغب في السحر رغبة المشتري في السلعة «وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ» أي نصيب بل هو موجب لعقوبته، فلم يكن فعلهم إياه جهلاً ولكنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة فلبئس «مَا شَرَوا بِهِ أَنفُسَهُم لَو كَانُوا يَعلَمُونَ» علمًا يثمر العمل ما فعلوه (تيسير الكريم الرحمن في تفسير الكلام المنان، عبدالرحمن بن ناصر السعدي)، (مرجع سابق) (ص 54).

– قال الراغب الأصفهاني: (السِّحر يُقال على معانٍ: الأول: الخداع وتخيلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المُشَعْبَذْ (أي المشعوذ) بصرف الأبصار عما يفعله لخفة يدٍ، وما يفعله النمَّام بقول مزخرف عائق للأسماع وعلى ذلك قوله تعالى: «سَحَرُوا أَعيُنَ النَّاسِ وَاستَرهَبُوهُم» الأعراف: 116. وقال: «يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحرِهِم» طه: 66. وبهذا النَّظر سموا موسى عليه السلام ساحرًا فقالوا: «يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادعُ لَنَا رَبَّكَ» الزخرف: 99.

– والثاني: استجلاب معاونة الشياطين بضَرْب من التقرب إليه، كقوله تعالى: «هَل أُنَبِّئُكُم عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ» الشعراء: 221-222. وعلى ذلك قوله تعالى: «هَل أُنَبِّئُكُم عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ» الشعراء: 221-222. وعلى ذلك قوله تعالى: «وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ» البقرة: 102.

– والثالث: ما يذهب إليه الأغتام (عجمة في المنطق)، وهو اسم لفعل يزعمون أنّه من قوته يغيِّر الصورة والطبائع، فيجعل الإنسان حمارًا، ولا حقيقة لذلك عند المُحَصِّلينَ، وقد تُصُوِّرَ منَ السحر تارة حسنة، فقيل: (إن من البيان لسحرًا)، وتارة دقه فعله حتى قالت الأطباء: الطبيعة ساحرة، وسموا الغذاء سحرًا من حيث أنه يَدِقُّ ويلطف تأثيره، قال تعالى: «بَل نَحنُ قَوْمٌ مَّسحُورُونَ» الحجر: 15. أي: مصرفون عن معرفتنا بالسحر، وعلى ذلك قوله تعالى: «إِنَّمَا أَنتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ» الشعراء: 153. قيل ممن له سَحَرٌ تنبيهًا أنه محتاج إلى الغذاء، (مفردات ألفاظ القرآن) (مرجع سابق) (ص 400).

وهكذا نتعلم من تجمع هاروت وماروت ومن معهم أن السحر شعوذة ودجل وكفر وغضب لله ولرسوله، وعلى المسلم أن يبتعد عن طريق الشياطين الذي يقود الإنسان إلى الدجل والغضب والخسران المبين في الآخرة.

– هناك من يهين القرآن الكريم إرضاءً للشياطين ويضعون كتاب الله في المراحيض والمجاري ويقفون بأقدامهم عليه ويتبولون عليه ويقوم بعض القساوسة بتسخير الشياطين ويطلبون من المسلمين فعل ذلك وبذلك يشككونهم في دينهم ويخرجونهم من الإيمان للكفر.

– الإسلام دين العلم الصحيح ودين العقل الصريح ودين النظافة والروائح الطيبة والشياطين تحب الروائح النتنة والأماكن القذرة والنفوس الخبيثة كما قال تعالى: «هَل أُنَبِّئُكُم عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ» الشعراء: 221-222.

– وقد امتهن بعض المسلمين مهنة السحر والدجل ويتخذون هذا الطريق سبيلا للكسب غير المشروع، ومما يؤسف عليه أن بعض هؤلاء يتخذون من التدين ومظاهر المتدينين سبيلا للخداع والدجل فعلينا الحذر من هؤلاء الدجالين.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٤٩٨ – الجمعة ٢٨ أغسطس ٢٠٢٠ م، الموافق ٠٩ محرّم ١٤٤٢هـ