رأينا سابقًا كيف أن أولياء الشيطان وعبدته يعملون بكل قواهم على نشر الرذيلة في العالم، وكيف يهدمون الشباب مصدر القوة والتغيير والتطوير والتنمية في العالم وفي المقابل يوجد عباد الرحمن وعبدته الذي يعملون بكل قواهم على نشر الفضيلة لنشل العالم وإنقاذه من مستنقع الرذيلة الذي يريد عبدة الشيطان إغراقه فيه.

– إنهم يتفننون في نشر الرذيلة بكل الوسائل ويحاربون عباد الرحمن.

– لقد أعلن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه بعث ليتمم مكارم الأخلاق التي جاء بها رسل الله ونشروها بين الناس ومازالت تدور وتتردد بين الخلائق محافظة على الصدق والأمانة والعدل والشرف والعرض والدين والمال والنسل والنفس من كل انهيار وتدمير.

– أولياء الشيطان وعبدته يهدمون وعباد الرحمن وعبدته يبنون، أولياء الشيطان وعبدته يُسعِّرون الشهوات وعباد الرحمن يعلمون الناس كيف ينظمون ويقننون ويهذبون قضاء الشهوات والحاجات الإنسانية، لذلك فالصراع بين التجمعين والفريقين قديم قدم خلق أبيهم آدم وأمهم حواء ومستمر طالما بقيت الحياة الدنيا باقية ومستمرة.

– عبدوا الشيطان واتخذوه وليًا وعبد عباد الرحمن رب العباد، رب كل شيء ومليكه واتخذوه وليًا ونصيرًا.

– قال الله تعالى عن عباده: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا» (الفرقان: 63-77).

– إنهم التجمع المناقض تمام التناقض لتجمع عبدة الشيطان فكل شيء شنيع وفظيع وفاحش يأتيه عبدة الشيطان ويدعون إليه ينقضه تمامًا عباد الرحمن وعبدته ويقيمونه في حياتهم.

– «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ»: العبودية لله نوعان عبودية لربوبيته يشترك فيها سائر الخلْق، وعبودية لألوهيته وعبادته ورحمته، وهي عبودية أنبيائه وأوليائه وهي المراد هنا، ولهذا أضافها إلى اسمه الرحمن، إشارة إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال برحمته ووصفهم بأنهم «يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا»: أي: ساكنين متواضعين لله وللخلق، فهذا وصف الله لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده «وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ» أي خطاب جهل «قَالُوا سَلَامًا» أي خاطبوهم خطاب يسْلمون فيه من الإثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله، وهذا مدح لهم بالحلم الكثير ومقابلة المسيء بالإحسان والعفو عن الجاهل ورزانة العقل الذي أوصلهم لهذا الحال «وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ» أي ارفعه عنا «إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا» ملازمًا لأهله «إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا» «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا» النفقات الواجبة والمستحبة «لَمْ يُسْرِفُوا»: بأن يزيدوا عن الحد فيدخلوا في قسم التبذير «وَلَمْ يَقْتُرُوا» فيدخلوا في البخل والشح وإهمال الحقوق الواجبة.

– «وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ» بل يعبدونه وحده مخلصين له الدين حنفاء «وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» كقتل النفس بالنفس، وقتل الزاني المحصن والكافر الذي يحل قتله «وَلَا يَزْنُونَ».

– «وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ»: أي لا يحضرون الزور، أي القول والفعل المحرم فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال أو الأفعال المحرمة «وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ»: وهو الكلام الذي لا خير فيه، ولا فيه فائدة دينية أو دنيوية ككلام السفهاء وغيرهم «مَرُّوا كِرَامًا»: أي نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه، ورأوا الخوض فيه وإن كان لا أثم فيه، فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة، فهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه ولكن مروا به عن غير قصد فيكرمون أنفسهم عنه.

«وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا»؛ أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين وهي درجة الإمامة في الدين، بأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم «أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ»: أي المنازل الرفيعة والمساكن الأنيقة الجامعة لكل ما يشتهى وتلذ الأعين.

والحاصل: أن الله وصفهم بالوقار والسكينة والتواضع له ولعباده، وحُسن الأدب، والحلم وسعة الخُلق، والعفو عن الجاهلين، والإعراض عنهم ومقابلة إساءتهم بالإحسان، وقيام الليل في العبادة، والإخلاص، والخوف من النار والتضرع لله، وإخراج الواجب والمستحق من النفقات والاقتصاد في ذلك والعفة عن الدماء والأعراض والتوبة ولا يحضرون مجالس المنكر والفسوق وكل هذه الصفات الواردة في الآيات السابقات. فاللهم اجعلنا منهم ومعهم والحق ذريتنا بنا معهم يا رب العالمين، إنه تجمع الخلق القويم أتباع النبي الكريم صاحب الخلق العظيم.

 (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان عبد الرحمن بن السعدي (مرجع سابق) (ص 684).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٤٩١ – الجمعة ٢١ أغسطس ٢٠٢٠ م، الموافق ٠٢ محرّم ١٤٤٢هـ