– إنهن تجمُّع للنساء المؤمنات المهاجرات الناجيات بدينهن من الكفار والفتنة والناجحات بامتياز مع مرتبة الشرف الربانية في امتحان الصدق والإخلاص والإيمان، قال الله تعالى عنهن: ‭{‬يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فإن عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‭}‬ الممتحنة: 10).

– هذه الآية تبين الدور الفاعل للمرأة المسلمة في بناء الدولة الإسلامية ومشاركتها الإيجابية في الهجرة من دار الكفر والكفار إلى دار الإسلام والمسلمين، إنه دور سياسي حضاري بنائي إيجابي للمرأة المسلمة، التي شاركت بإيجابية في مرحلة الاستضعاف فكانت السيدة سمية الأنموذج الأول للشهادة في سبيل الله في الإسلام. وشاركت المرأة في الهجرة إلى الحبشة، وفي اللقاءات الموسعة بين النجاشي ووفود قريش للقبض على المهاجرين واللاجئين السياسيين إلى الحبشة، وشاركت المرأة في بيعة العقبة في الليل وبايعت المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشاركت في الهجرة إلى المدينة المنورة وفي قتال الكفار والدفاع عن المدينة، وفي صلح الحديبية وحروب الردة والفتوحات الإسلامية وبناء الحضارة الإسلامية وتشييد الجامعات الإسلامية على نفقتها الخاصة كما في جامعة القرويين وجامعة القاهرة، وشاركت في قتال المستعمرين وفي ثورات الربيع العربي، وفي الآيات السابقات يبين الله تعالى الدور الفاعل للمرأة في الهجرة فلما كان صلح الحديبية؛ صالح النبي صلى الله عليه وسلم المشركين على أن من جاء منهم إلى المسلمين مسلمًا أنّه يرد إلى المشركين، وكان هنا لفظًا عامًا مطلقًا يدخل في عمومه النساء والرجال، فأما الرجال فإن الله لم ينه رسوله عن ردِّهم إلى الكفار، وفاء بالشرط وتتميمًا للصلح الذي هو أكبر المصالح، وأما النساء، فلما كان ردهن فيه مفاسد كثيرة أمر الله تعالى المؤمنين إذا جاءهم ‭{‬الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ‭}‬ وشكوا في صدق إيمانهن أن يمتحنوهن ويختبروهن بما يظهر به من صدقهن، فإنه يحتمل أن يكون إيمانًا غير صادق، بل رغبة في زوج (أو تجسس على المسلمين) أو بلد أو غير ذلك من المقاصد الدنيوية، فإن كن بهذا الوصف، تعين ردهن وفاء بالشرط من غير حصول مفسدة، وإن امتحنوهن فوجدوهن صادقات، أو علموا ذلك منهن من غير امتحان، فلا يرجعوهن إلى الكفار (كرامة للمرأة المسلمة وتقديرًا لدورها الفاعل) وحفاظًا على كرامتها ودينها ‭{‬لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ‭}‬ فهذه مفسدة كبيرة (في ردهن)، رعاها الشارع ورعى أيضًا الوفاء بالشرط، وأن يعطوا الكفار أزواجهن ما انفقوا عليهن من المهر وتوابعه عوضًا عنهن ولا جناح عندئذ على المسلمين أن يتزوجهن (بعد انقضاء عدتهن) إن كان لهن أزواج في دار الشرك ولكن بشرط أن يؤتوهن حقوقهن من المهر والنفقة، وكما أن المسلمة لا تحل للكافر، فكذلك الكافرة لا تحل للمسلم أن يمسكها مادامت على كفرها -غير أهل الكتاب- ولهذا قال الله تعالى ‭{‬وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ‭}‬، وإذا نهى عن الإمساك بعصمتها، فالنهي عن ابتداء تزويجها أولى.

– ‭{‬يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‭}‬ الممتحنة: 12.

– الشروط المذكورة في الآية السابقة تسمى مبايعة النساء، اللاتي كن يبايعن على إقامة الواجبات المشتركة التي تجب على الذكور والنساء في جميع الأوقات، وأما الرجال فيتفاوت ما يلزمهم بحسب أحوالهم ومراتبهم وما يتعين عليهم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل ما أمره الله به، فكان إذا جاءت النساء يبايعنه والتزمن هذه الشروط بايعهن وجبر قلوبهن، واستغفر لهن الله فيما حصل منهن من التقصير وأدخلن في جملة المؤمنين ‭{‬عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا‭}‬ بل يفردن الله وحده بالعبادة ‭{‬وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ‭}‬ كما يفعل نساء الجاهلية (والعصر الحديث) الجهلاء ‭{‬وَلا يَزْنِينَ‭}‬ كما كان موجودًا كثيرًا في البغايا وذوات الأخدان (وكما هو منتشر حاليًا في بعض المجتمعات) ‭{‬وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ‭}‬، والبهتان الافتراء على الغير، أي لا يفترين بكل حالة، سواء أتعلقت بهن مع أزواجهن، أو تعلق ذلك بغيرهم ‭{‬وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ‭}‬: أي لا يعصينك في أمر تأمرهن به، لأن أمرك لا يكون إلّا بمعروف، ومن ذلك طاعتهن لك في النهي عن النياحة، وشق الجيوب وخمش الوجوه والدعاء بدعوى الجاهلية ‭{‬فَبَايِعْهُنَّ‭}‬: أي التزمن بجميع ما ذكر ‭{‬وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ‭}‬: تطييبًا لخواطرهن (وتكريمًا لهن) ‭{‬إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ‭}‬؛ أي: كثير المغفرة للعاصين والإحسان إلى المذنبين التائبين ‭{‬رَّحِيمٌ‭}‬ وسعت رحمته كل شيء وعم إحسانه البرايا (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبدالرحمن بن ناصر السعدي (مرجع سابق) (ص 1018).

– وهكذا كرم الله ورسوله المرأة مهاجرة وبايعهن رسول الله واستغفر لهن ورفع من شأنهن وأفردهن بالذكر والتشريع وجعلهن كيانًا مستقلاً مُعتبرًا في المجتمع.

وفي هذا دحض لافتراءات العَلمانيين (بفتح العين) والمرجفين الذين يظنون أن المرأة في الإسلام كمٌّ مهمل وتابعة لزوجها في كل حياتها كما هو الحال في بعض الثقافات التي تلغي اسم عائلة الزوجة وتجعلها تابعة لزوجها، أو يجعلها تدفع المهر للرجل ليقبل الزواج بها، وبعض الثقافات تقتل المرأة التي مات زوجها وتدفنها معه وفي بعض المناهج الدراسية في بعض دول شرق آسيا يعتبرون الحمارة أكثر فائدة من المرأة، الرسول يبايع النساء ببيعة مستقلة لهن ويستغفر لهن الله ويقبل منهن مشاركتهن في الحياة العامة للمسلمين.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٤٨٤ – الجمعة ١٤ أغسطس ٢٠٢٠ م، الموافق ٢٤ ذو الحجة ١٤٤١هـ