من أعظم الشهادات الربانية للمسلمين قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا) المائدة (3)، شهادة لم تنزل على أمة من الأمم من قبل حسدتنا عليها المغضوب عليهم وأنكرها الضالون، وحاول المبتدعة إخفاءها ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون.

فالحرام ما حرم الله ورسوله والحلال ما أحل الله ورسوله، والأصل في العبادات الحرمة ما لم يأت نص صحيح يحلل العبادة والأصل في الأشياء الحل ما لم يأت نص صحيح يحرم وهذا من رحمة الله بعباده ومن سعة الدين الإسلامي ويُسره، وقد لعب الشيطان بعقول البعض وقلوبهم وقادهم إلى الابتداع في الدين، فظهر المبتدعة في الدين وبدعهم المنكرة قال الشاطبي رحمه الله في الاعتصام: «البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى». وقيل: «طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يٌقصد بالسلوك عليها ما يُقصد بالطريقة الشرعية»، وقيل البدعة: «إيراد قول أو فعل لم يُستن قائلها ولا فاعلها بصاحب الشرعية» «بصائر ذوي التمييز- الفيروز أبادي» (2/231).

ويخلط الناس بين البدعة في الدين والإبداع في أمور الدنيا فيعتبرون كل جديد ومخترع في أمور الدنيا بدعة لذلك قال الشاطبي رحمه الله البدعة طريقة في الدين مخترعة.

– والمبتدعة هم المحدثون في دين الله ما لم يكن فيه.

– وقسم الإمام الشافعي رحمه الله البدعة إلى قسمين:

*البدعة الضالة: ويراد بها ما أُحدث وخالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا أو أثرًا.

*البدعة المحمودة: ما أُحدث من الخير ولم يخالف شيئا من ذلك.

– وقسم ابن الأثير البدعة إلى بدعتين:

*بدعة ضلالة، وبدعة هدى، فما كان في خلاف ما أمر به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهي البدعة الضالة التي هي مناط الذم والإنكار.

*وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهي بدعة هدى، وهي في حيز المدح، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به ومن ذلك قول عمر – رضي الله عنه – نعمت البدعة هذه، لما كان الجماعة في قيام رمضان من أفعال الخير وداخلة في حيز المدح سماها بدعة ومدحها.

– قال ابن الأثير: «وأكثر ما يستعمل المُبتدع عرفًا في الذم، أي أنه إذا أطلق لفظ البدعة فإنه يراد بها النوع الأول وهو المذموم شرعًا».

– وحكم المبتدع للبدعة الضالة في الدنيا الإهانة باللعن وغيره، وفي الآخرة حُكم الفاسق وعند الفقهاء: حكم بعضهم حكم الكافر وحكم الآخرين حكم الضال والمختار عند جمهور أهل السنة من الفقهاء والمتكلمين عدم تكفير أهل القبلة من المبتدعة والمؤولة في غير المعلوم من الدين بالضرورة لكون التأويل شُبهة (الكليات للكفوى (ص243/244) بتصرف- نقلا عن موسوعة نضرة النعيم (مرجع سابق) (ج9) (ص3774).

قال تعالى: (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) الحديد (27).

عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟!! فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر».

– قال أحدهم: أما أنا أصلي الليل أبدًا.

– وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر.

– وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا.

– فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم إلى الله وأتقاكم، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

– وهكذا قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبت البدعة الضلالة، وأغلق باب الفتنة والغلو والتنطع عن الأمة، وأنقذ الأمة من التشدد والخروج عن حد الاعتدال والرحمة.

– وعن عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سُبل متفرقة، قال: على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ (وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) الأنعام (153) – رواه أحمد واللفظ له – والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

– إنه درس عملي تعليمي تعلمي من المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته لتتعلم أن الصراط المستقيم واحد وواضح وهو ما أتى به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والبعد عن هذا الصراط اتباع خطوات الشيطان، وهذا يؤكد أن المبتدع في دين الله المخالف للهدي النبوي شيطان يفرق الأمة ويشتتها وهذا ما فعله المبتدعة بإيجاد دين ليس له من الإسلام إلا اسمه أما جوهره فهو اتباع لخطوات الشيطان.

وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» «أي غير مقبول ولا جزاء عليه إلا العقاب»، رواه البخاري واللفظ له، ومسلم.

قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: «إنما هلك من كان قبلكم تشعبت بهم السبل، وحادوا عن الطريق فتركوا الآثار وقالوا في الدين برأيهم فضلو وأضلوا (الاعتصام 1/102).

وقال: «لا يقبل الله لصاحب بدعة صومًا ولا صلاة، ولا حجًا ولا عمرة حتى يدعها وقال لا تجالس صاحب بدعة (مبتدع) فإنه يمرض قلبك» الاعتصام.

المبتدع من أعوان الشيطان ومن أعداء الرحمن والبدعة من أقرب مداخل الشيطان للإنسان.

وهي تؤدي إلى نفرة من ليس له قدم في فهم الإسلام منه لكثرة ما يظن من تكاليف.

المصدر: موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (مرجع سابق) (ج9) (ص3731).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٤٤٢ – الجمعة ٠٣ يوليو ٢٠٢٠ م، الموافق ١٢ ذو القعدة ١٤٤١هـ