– المجتمعات القوية هي المجتمعات المتماسكة المتعاونة على البر والتقوى الآمرة بالمعروف بضوابطه الشرعية، والناهية عن المنكر بضوابطه الشرعية، وقد لعن الله الهادمين للنظام الأخلاقي في المجتمع قال تعالى: «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ» المائدة (78-79).

– وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النور (19).

– والمجاهرة بالمعصية تميت القلوب، وتقضي على الحياء وتنشر المعصية والاستهانة بفعلها بين الناس.

– والمجاهرة بالمعصية أن يرتكب الشخص الإثم علانية، أو يرتكبه سراً فيستره الله عز وجل، ولكنه يخبر به بعد ذلك وينشره مستهينًا بستر الله وبعقابه الأليم لمن يفعل ذلك.

قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري: والمجاهر الذي أظهر معصيته، وكشف ما ستره الله عليه فيحدث بها، أما المجاهرون في الحديث الشريف (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) البخاري ومسلم فيحتمل أن يكون بمعنى: (من جهر بالمعصية وأظهرها، ويحتمل أن يكون المراد: الذين يجاهر بعضهم بعضاً بالتحدث بالمعاصي)، قال ابن حجر وبقية الحديث تؤكد هذا المعنى.

– يقول الحديث: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» رواه البخاري واللفظ له، ومسلم.

– ومن العجيب أن السلوك الوارد في الحديث يتوارى حياءً أمام ما يحدث الآن من المجاهرة بالمعصية، حيث يصور البعض أنفسهم في أوضاع الفاحشة وينشروها في وسائل الإعلام العالمية، والبعض يصور تلك الفواحش ويجعلها محور الأحداث في الأفلام والمسلسلات والروايات والقصص.

– وأصبح من المألوف حتى بين المسلمين التصوير بملابس البحر العارية ونشر الشخص صوره على وسائل التواصل الاجتماعي وبين المعارف والأصدقاء، وهذا يشيع الفاحشة بين الناس وخاصة الفئات العمرية الشابة والفتية.

الله تعالى يقول: «لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ  وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمً» النساء (148).

– والآن يتم إعداد سيناريو فاحش ويتم دمجه في مشاهد سينمائية ومسرحية وقصصية يعتبرون ذلك من الفن والمدنية، بل يواقعون عن هذا ويعتبرون ذلك من الإبداع الفني ومن يقف ضد ذلك يعتبرونه متخلفاً محارباً للإبداع.

– قال تعالى: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» الأنعام (151).

– قال ابن منظور في لسان العرب: الفُحش والفحشاء والفاحشة، القبيح من القول والفعل وجمعها الفواحش.

– قال الكفوي: كل شيء تجاوز قدره فهو فاحش وكل أمر لا يكون للحق فهو فاحش. (موسوعة نضرة النعيم (مرجع سابق) (ج11) (ص5231).

– قال صلى الله عليه وسلم «وإياكم والفٌحش فإن الله لا يحب الفُحش ولا التفحش» جزء من حديث رواه داود وأحمد ورواه بنحوه مسلم.

– والفحش يوجب سخط الله واستحقاق الوعيد في الآخرة ومعول هدم المجتمع ودليل سوء الخاتمة (المرجع السابق (ص5235).

– وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت راجماً أحداً بغير بينة لرجمت فلانة، فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها (رواه ابن ماجه) برقم (2559) وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

– وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يحب الفٌحش: أو يبغضُ الفاحِش والمُتفحش قال: ولا تقوم الساعة حتى يظهر الفٌحش والتفاحش: وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة وحتى يؤتمن الخائن ويخون الأمين». رواه أحمد وإسناده صحيح.

– قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إن الله تبارك وتعالى – لا يعذب العامة بذنب الخاصة ولكن إذا عمل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم.

– وقال النووي: رحمه الله تعالى: إن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به (فتح الباري (10/502).

وقال أيضاً: الذي يجاهر بالمعصية يكون من جملة المجان، والمجانة مذمومة شرعاً وعٌرفاً فيكون الذي يظهر المعصية قد ارتكب محذورين إظهار المعصية وتكدسه بفعل المجان. (الفتح (10/502).

– قال ابن بطال: في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين وفيه ضرب من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف لأن المعاصي تُذل أهلها ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد من التعزيز إن لم يوجب حقه، وإذا تمحص حق الله فهو أكرم الأكرمين، رحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة والذي يُجاهر يفوته جميع ذلك (الفتح (10/502)

قال صاحب منظومة الآداب:

 وهجران من أبدى المعاصي سنة

 وقد قيل إن يردعه أوجب وأكد

 وقيل على الإطلاق ما دام معلناً

 ولاقه بوجه مُكْفَهِرَّ مربد

قال السفاريني في شرح البيتين السابقين: ولا فرق بين كون المعاصي فعلية أو قولية أو اعتقادية، وهذا الهجر يثاب الإنسان عليه لأنه هجر لله تعالى وغضب لارتكاب معاصيه أو إهمال أوامره. قال الإمام أحمد –رحمه الله تعالى– وإذا علم أنه مقيم على معصية وهو يعلم بذلك لم يأثم أن جفاه حتى يرجع، وإلا كيف يتبين الرجل ما هو عليه إن لم ير منكراً ولا جفوة من صديق (غذاء الألباب (256-261).

– المجاهر بالمعصية ماجن أثيم يُغضب الله عز وجل.

– المجاهرون بالمعاصي محتقرون من الناس مهجورون، لا يكلمهم الصالحون ولا يسلمون عليهم.

– الجهر بالمعاصي يستوجب ردع المتجمع المسلم للمجاهر وإنزال العقوبة اللائقة به من القاضي.

– وعجباً لمجتمعات مسلمة ترفع من شأن المجاهرين بالمعصية وتجعلهم من نُخبة القوم وتكرمهم وترحب بهم في وسائل اعلامها، هذا إيذان بالغضب العام والفتنة العامة والله يقول: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» الأنفال (25).

وما فيه بعض الشعوب المسلمة من ضنك العيش والمشكلات يرجع في جزء كبير منه إلى عدم الإنكار العام للمجاهرين بالمعصية.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٤٣٥ – الجمعة ٢٦ يونيو ٢٠٢٠ م، الموافق ٠٥ ذو القعدة ١٤٤١هـ