لوط عليه السلام نبي من أنبياء الله الصالحين وكان قومه خليطا من الكنعانيين وممن نزل حولهم، وكانوا يسكنون المنطقة الواقعة بين الأردن وفلسطين في خمس قرى أكبرها سدوم، وهذه القرى هي المؤتفكات التي ورد ذكرها في قوله تعالى: ‭}‬وجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ‭{‬ الحاقة (9).

وكان قوم لوط قد ابتدعوا فاحشة لم يسبقوا إليها واشتهروا بها بين الأمم ألا وهي فاحشة إتيان الرجال شهوة من دون النساء يستعلنون ذلك ولا يستترون، فأرسل الله إليهم لوطًا عليه السلام، فزجرهم وأنذرهم وأرشدهم لكن القوم كان قد تأصلت فيهم هذه الفاحشة واستولت عليهم الشهوة الشاذة فلم يزدادوا إلا عنادًا واصرارًا على فعلتهم الشنيعة.

ولم يؤمن للوط من قومه سوى أهل بيته باستثناء امرأته، فقد آثرت البقاء على دين قومها، وما لأتهم على فاحشتهم فلما جاء الهلاك هلكت مع الهالكين وجعلها الله أنموذجًا لأهل النار.

وكان هلاك قوم لوط من أشد العذاب إذ قلب الله قريتهم ورفعها عاليًا وجعل عاليها سافلها، ورافق ذلك صيحة عظيمة ومطر بحجارة من سجيل فأبيدوا عن آخرهم وبقيت قصتهم عبرة للمعتبرين (أسباب هلاك الأمم السابقة، سعيد محم بابا سيلا، مجلة الحكمة، ليدز- بريطانيا (ط1) (ص31) (2000م).

الفاحشة التي ابتدعها قوم لوط من أكبر الفواحش وأشنعها، فهي انتكاسة خطيرة عن الخِلقة البشرية، ومضادة لما فطر الله الناس عليه من ميل الذكر إلى الأنثى والأنثى إلى الذكر (حتى في الحيوانات، والكائنات الحية الدقيقة والنبات).

وتنتج عن هذه الفاحشة آثار سيئة لا تقتصر على مرتكبها فحسب، بل تتعدى إلى المجتمع الذي ترتكب فيه الفاحشة.

قال ابن القيم رحمه الله: لعظم هذه الفاحشة وخطورتها وصف القرآن الكريم مرتكبها من قوم لوط بأوصاف لم تجتمع في غيرهم من الأمم السالفة، فقد وصفهم نبيهم لوط بالإسراف قال تعالى: ‭}‬بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ‭{‬ الأعراف (81), وبالعدوان قال تعالى: ‭}‬بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُون‭{‬ الشعراء (166)، وبالجهل كما في قوله تعالى: ‭}‬بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون‭{‬ (النمل (55)، وبالإفساد ‭}‬قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ‭{‬ (العنكبوت (30)، ووصفتهم الملائكة الذين ارسلوا لهلاكهم بالإجرام قال تعالى: (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ) العنكبوت (30)، ووصفهم الله تعالى بالإجرام أيضًا كما في قوله تعالى: (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) الأعراف (84)، ووصفهم بالظلم كما في قوله تعالى: (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) هود (83)، ووصفهم بأنهم قوم سوء، وبالفسق أيضًا كما في قوله تعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ) الأنبياء (84).

ووصف قريتهم بالقرية التي كانت تعمل الخبائث كما في قوله تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ) الأنبياء (84), والمراد بها أهلها.

ثم إن العقاب الذي عوقب به قوم لوط كان أشد مما عوقب به غيرهم، فقد جمع الله عليهم قلب بيوتهم، وجعل عاليها سافلها، مع مطر العذاب الذي أُمطروا به وهو حجارة من سجيل منضود.

فقد أمطر عليهم الحجارة، وأتبعهم بعد ذلك أن قلب ديارهم قال تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ) وقوله: (مِّن سِجِّيلٍ)، أي من طين وقد فسره قوله تعالى في موضع آخر (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ) الذاريات (33)، وقوله منضود أي نضد بعضها بعضًا إلى بعض فصارت كالحجارة وهو صفة للسجيل وليس للحجارة ولذلك لم تؤنث ولم تنصب وقوله (مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ) أي معلمة بعلامة هي اسماء أصحابها أو خطوط تميزها عن سائر الأحجار وقد سمى الله تعالى مطر الحجارة الذي أمطر به قوم لوط بمطر السوء كما في قوله تعالى: (ولَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا) الفرقان (40).

قال الطبري: ومطر السوء هو الحجارة التي أمطرها الله عليهم فأهلكهم بها.

وهذا العقاب الذي عوقب به قوط لوط كان جزاء عاجلاً على انكبابهم على الفاحشة واصرارهم عليها، وهو ردع وزجر لغيرهم ممن يأتي بعدهم، وما أعد الله لهم في الآخرة أشد وأخزى.

وقد قال تعالى عقب ذكر هلاك قوم لوط (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) هود (83)، قال ابن كثير: (وما هذه النقمة ممن تشبه بهم في ظلمهم ببعيد عنهم) (أسباب هلاك الأمم السالفة كما وردت من القرآن الكريم، سعيد محمد بابا سبيلا (مرجع سابق) (ص63)، (ص425) ).

وقد انتشرت هذه الفاحشة المنكرة في الدول العَلمانية (بفتح العين)، التي فصلت الحياة عن الدين وجعلت الحياة أرحاما تدفع وأرضا تبلع وما يهلكهم إلا الدهر، وقد قننوا هذه الفاحشة، وأصيب بها علية القوم منهم وسِفلتها، وأسست أسر على أساس الجندر أي النوع الواحد الرجل والرجل، والمرأة والمرأة، وهم الآن يحاولون نشر هذا الشذوذ في العالم وأباحته لهم كنائسهم ومجالس نوابهم وقوانينهم وحكوماتهم واعتبرت ذلك حقًا من حقوق الإنسان ومن الليبرالية الاجتماعية والتشريعية.

وقد ثبت أن هذه الفاحشة تؤدي إلى العديد من الأمراض منها الإصابة بالأمراض العصبية والنفسية، واكثر ما يصيب المفعول به فهو في قرارة نفسه ذكر، ولكن شذوذ طبعه يدفعه إلى مخالفة ما يتميز به الذكر فيميل إلى التخلق بأخلاق الإناث، ويصل به الأمر إلى تقليدهن في الزينة واللباس والسلوك فيصير شخصًا ممسوخًا، فلا هو ذكر ولا هو أنثى.

والآن يوجد شذوذ بين الإناث والإناث وانتشرت هذه الفاحشة في مدارس البنات في بعض الدول العربية وتسمى بظاهرة (البويات) أي البنات المسترجلات المتشبهة بالأولاد.

تؤدي هذه الفاحشة إلى تهتك أنسجة فتحة الشرج وارتخاء عضلاته فيفقد الشاذ التحكم في عمليات التبرز والتحكم في الغازات ويؤدي إلى انتشار سرطان الشرج.

وبهذه الفاحشة ينهار النظام الأسري الفطري، ويتفكك المجتمع، ويقل معدل الإنجاب وتنقرض الشعوب، وأوروبا من أول الدول التي شاخت وسميت بالقارة العجوز، ومعظم سكانها من العجزة وكبار السن.

لقد نجى الله لوطًا والذين معه وأهلك قومه بفاحشتهم، ومن أعجب ما ذكر القرآن طلب الشواذ إخراج الأسوياء من ديارهم وكانت جريمتهم أنهم قوم يتطهرون كما قال تعالى: (وَلُوطًا إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ) الأعراف (80-83).

وقد جعل الله امرأة لوط مثلا وأنموذجًا للكافرين أهل النار قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) التحريم (11).

لقد وافقت امرأة لوط قومها ولم تنكر عليهم وشايعتهم في فاحشتهم فأدخلها الله النار والعياذ بالله.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٤٢٨ – الجمعة ١٩ يونيو ٢٠٢٠ م، الموافق ٢٧ شوّال ١٤٤١هـ