النظام الاقتصادي الإسلامي نظام إنساني يحفظ حق المالك ورأس المال، ويحفظ حق العاملين فيه كما يحفظ حق المجتمع والفقراء والمساكين فيه.

نظام مالي استثماري تنموي أخلاقي وقد فهم صاحب الجنة هذا المنحنى الإلهي العظيم فأعطى للفقراء حقهم فيما تنتجه جنته.

– وكان أولاد هذا الرجل عَلْمانيين (بفتح العين) من أصحاب الرأسمالية المنزوعة الرحمة.

– حال الوالد دون تطبيق النظام العَلْماني (بفتح العين) المادي إلى أن مات.

– تملك الأبناء الجنة بما فيها وقرروا تطبيق نظامهم الجديد والقضاء على النظام القديم فكانت النتيجة: نزعت البركة وتركوا لعقولهم وأساليبهم ففشلوا فشلا ذريعًا.

– سجل الله سبحانه وتعالى تجمع هؤلاء الأبناء الماديين مقابل تجمع الفقراء والمساكين قال تعالى: «إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ * فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ *بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» القلم 7-13.

– تبدأ القصة بمالك الجنة وهو يترك للفقراء والمساكين نصيبهم من إنتاج جنته، يقف أولاد الرجل مغتاظين، وهم يتحسرون على ما يأخذه الفقراء والمساكين، ولا ينظرون إلى الكم الأكبر من إنتاج الجنة التي تدخل مخازنهم وتباع للتجار، يتوفى الرجل، يتنفس الأولاد الصعداء، يتوعدون بمنع الفقراء والمساكين، يقول أعقلهم: هذا لا يجوز، لا يلتفتون إليه، يعدون العدة للذهاب إلى الجنة في الصباح الباكر وقطف الثمار والتصرف فيها «فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ» القلم:19، وتساءلوا عن هذا الطائف.

– فذهب طائفة منهم إلى أنه جبريل عليه السلام فهو الذي اقتلعها.

– كما توقف المفسرون عند قوله «وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ» القلم:25، (وفسروا الحرد بأنه الغضب والحقد أو القصد وهما دلالتان لغويتان للفظ) معجم الأعلام قاموس القرآن الكريم (مرجع سابق) صفحة 115.

المعلوم علميًا أن النباتات يمكن أن تهلك بالعديد من العوامل والأسباب منها هجوم الجراد، ومهاجمة الفطريات والفيروسات والحشرات الخفية، كما قد يهلكها الريح الشديد والعواصف والرمال، والسباخ والتراب والله على كل شيء قدير وله جنود لا يعلمها إلا الله، المهم أن الجنة هلكت، واسودت نباتاتها وسقطت ثمارها.

– يبدو أن أولاد أصحاب الجنة كانوا ينظرون إلى فعل أبيهم نظرات متفاوتة.

– فمنهم من يرى أن عمله كان طيبًا يستحق الثناء، وهو الذي أنكر على إخوانه خطتهم.

– ومنهم من يراه حماقة، وهو من أشار بمنع المساكين من حقهم.

– ومنهم من يرى أن عمل أبيهم كان في وقته طيبًا لأن المال كثير والعيال كانوا قليلا ولكنه ليس كذلك، ولعل هذا ممن استصوب منع المساكين ومنهم من سكت والله أعلم. (قصه أصحاب الجنة وقيمة النية في الشريعة الإسلامية ياسين بن ناصر الخطيب سلسلة دعوة الحق، إدارة الشؤون الثقافية والنشر، العدد (204) ص (25) (1423هـ).

معاني كلمات الآيات:

– (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ): أي اختبرناهم، امتحنّاهم أي بلونا أهل مكة، والمعنى أعطيناهم الأموال ليشكروا لا ليبطروا فلما بطروا ابتليناهم بالجوع والقحط كما بلونا أصحاب الجنة.

– (لَيَصْرِمُنَّهَا): أي ليقطعنها: ليجدنّ ثمرها ليلًا لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ليتوافر ثمارها عليهم ولا يتصدقون منه بشيء.

– (وَلا يَسْتَثْنُونَ) بمعنى لا يقولون إن شاء الله، قال ابن كثير: ولم يستثنوا في يمينهم فعجّزهم الله وسلط عليهم الآفة التي أهلكتها.

– (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ): أنزل الله عليها نارًا فأحرقتها وأصابتها آفة سماوية.

– وقيل: هو نار أحرقتها حتى صارت سوداء.

– (وَهُمْ نَائِمُونَ): غافلون عما جرت المقادير.

– (كَالصَّرِيمِ): أحرقت فصارت كالليل الأسود.

– (عَلَى حَرْدٍ): أي على نكد، والمعنى: أنهم يتنكدون على المساكين فتنكد عليهم بحيث لا يقدرون على الانتفاع (بأي شيء من ثمار الجنة).

– (قَالَ أَوْسَطُهُمْ:) يعني أمثلهم وأعقلهم وأخيرهم، والوسط هو العدل الخيار.

– (إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ): أي اعتدينا وطغينا وجاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا، أو مبعدين مخالفين أمر الله في تركنا الاستثناء والتسبيح (المرجع السابق).

– إن أسوأ أنواع الاقتصاد هو الاقتصاد القائم على حرمان الفقراء والمساكين والمحتاجين حقوقهم الشرعية التي جعلها الله تعالى حقا لهم، ولقد حارب الصديق المرتدين دفاعًا عن حقوقهم وردعًا للظالمين الراغبين في منعهم حقوقهم الشرعية في أموال الأغنياء والقادرين. إن أفشل اقتصاد هو الذي يمنع الفقراء والمساكين حقوقهم في المال.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٤١٤ – الجمعة ٠٥ يونيو ٢٠٢٠ م، الموافق ١٣ شوّال ١٤٤١هـ