هناك من عباد الله من يتعامل مع الله تعامله مع المخلوقين عباد الله، فإن كانت مصلحته في التحايل عليهم وخداعهم والمكر معهم فعل ذلك ونسي هذا الفريق من الناس، وهذا التجمع البشري أن الله يعلم ما تُخفي الصدور وما يعتمل في النفوس والنية والمقصد من الأعمال.

– يجسد تجمع أصحاب السبت وحاضرة البحر هذا الاتجاه أفضل تجسيد وأصدق تمثيل.

– أصحاب السبت هم جماعة من اليهود عصوا أمر الله سبحانه وتعالى بتعظيم يوم السبت بإخلاص للعبادة وعدم العمل فيه الأعمال الدنيوية فكانت الأسماك تأتيهم في يوم السبت بالذات طافية متجمعة على سطح الماء، وتغيب عنهم أيام الأسبوع الأخرى، وكان هذا الابتلاء بسبب فسقهم ومعصيتهم واستهانتهم بشرع الله وكانت النتيجة أن أخذهم الله بعذاب شديد جزاء لهم على تمردهم وتحايلهم على شرع الله.

قال الله تعالى عنهم: «وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ )163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ )16 (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (167) وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ». الأعراف (163- 168).

– حاضرة البحر: قريبة من البحر.

– يعدون في السبت: يعتدون بالصيد المحرم فيه.

– يوم سبتهم: يوم تعظيمهم أمر السبت.

– شُرعاً: ظاهرة على وجه الماء كثيرة.

– لا يسبتون: لا يراعون أمر السبت.

– نبلوهم: نمتحنهم ونختبرهم بالشدة.

– معذرة إلى ربكم: نعظمهم اعتذارا إليه تعالى.

– بعذاب بئيس: بعذاب شديد وجيع.

– وعتوا: استكبروا واستعصوا.

– قردة خاسئين: أذلاء مبعدين كالكلاب.

– تأذن ربك: قضى ربك.

– يسومهم: يذيقهم ويُكلفهم.

– ونبلوهم: امتحناهم واختبرناهم.

(كلمات القرآن تفسير وبيان، حسنين محمد مخلوف، دار المغني، الرياض: المملكة العربية السعودية (د.ط) (ص96) (1997م).

– ولعل الآيات تشير إلى ثلاث جماعات وتجمعات: الجماعة العاتية الظالمة الممسوخة «فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ» الأعراف (166).

– والجماعة الواعظة الذاكرة المتعذرة إلى الله الناجية: «قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ» و«فلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ».

– والجماعة التي سألت هذه الأخيرة «وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا».

– قال المفسرون: انقسموا إلى ثلاث:

– عصاة صادوا.

– معتزلون (لم يعصوا) ونهوا وذكروا.

– معتزلون (لم يعصوا) ولم ينهوا.

ثم اختلف المفسرون، هل نجا المعتزلون الذين لم ينهوا أم وقع عليهم العذاب؟

ظاهر الآيات أن الناجين هم الذين نهوا فحسب والله أعلم (معجم الأعلام قاموس القرآن الكريم (مرجع سابق) (ج1) (ص127).

– انقسم أهل القرية إلى فرق ثلاث:

– فرقة الصائدين والمؤيدين لهم.

– فرقة المعارضين المحذرين من بطش الله لمخالفة أمره.

– فرقة المحايدين واللائمين السلبيين.

– الفرقة الأولى عصت وتحايلت واصطادت ومن لم يصطد منهم وافقهم وشجعهم على ذلك.

– الفرقة الثانية: وقفت بوضوح وشدة وايجابية ضد التحايل والمعصية وظلوا على موقفهم يعظون المخالفين والمعتدين والمؤيدين حتى أعذروا إلى ربهم.

– فرقة السلبيين المحايدين قالوا للواعظين لم تعظون قوماً قد قضى الله بإهلاكهم وإفنائهم وقد علمتم أن الله سيهلكهم ويعاقبهم في الدنيا والآخرة.

– أجابهم الواعظون بأننا نعظهم لأن هذا واجبنا تجاه العصاة والمعصية، ولنبرئ ذمتنا من السكوت عن المنكر ونحن قادرون على نهيهم عنه،

ونحن لم نيأس من صلاحهم وتوبتهم وعودتهم إلى الحق لآخر لحظة.

– عاند الفاعلون وأبوا قبول النصيحة.

– عذب الله العصاة بأن مسخهم قردة.

– نجا الله الإيجابيين الرافضين وأنبأنا بذلك.

– نجا الله الساكتين وسكت عن إخبارنا بذلك جزاء سلبيتهم. (مواقف تربوية من القرآن الكريم والسنة النبوية، نظمي خليل أبو العطا موسى (مرجع سابق) (ص15) ).

– بين الله سبحانه وتعالى – أن تعظيم السبت، والتشديد على اليهود في شّغله بالعبادة وتحريم العمل فيه من الصَّيد وغيره، إنما كان بسبب اختلافهم فيه على نبيهم موسى عليه السلام، الذي أمرهم بالجمعة فاختاروا السبت – وذلك قوله تعالى: «إنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ». النحل (124).

– فإذا كان يوم السبت شُرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السبت ذهب وما تعود إلا في السبت المقبل، وذلك بلاء ابتلاهم الله به.

– وقد اختلف في كونهم أو جعلهم قردة، فقيل: هو على الحقيقة، وان الذين مسخوا لم يعيشوا أكثر من ثلاثة أيام، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن المسوخ لا تَنسل ولا تأكل ولا تشرب ولا تعيش أكثر من ثلاثة أيام). ونُقل عن مجاهد أن الذي مُسخ هو قلوبهم فقط، فقد ردَّت أفهامهم كأفهام القردة ورجح ابن عطية الأول. (والله أعلم).

(انظر معجم الأعلام، قاموس القرآن الكريم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي- الكويت (ط1) (ج1) (ص128) (2009م) ).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٤٠٧ – الجمعة ٢٩ مايو ٢٠٢٠م ، الموافق ٦ شوال ١٤٤١ هـ