أولا: سعد بصدقه مع الله:
أراد الفاروق عمر أن يولي أبي الدرداء عملا بالشام فأبى فأصر عليه الفاروق، قال أبو الدرداء: إذا رضيت مني أن أذهب إليهم لأعلمهم كتاب ربهم، وسنة نبيهم وأصلي بهم ذهبت فرضي عمر منه ذلك، فلما بلغ أبو الدرداء دمشق هاله حال أهلها، فقد وجدهم قد ولعوا بالترف، وانغمسوا في النعم

فدعا الناس إلى المسجد فاجتمعوا ووقف فيهم وقال: يا أهل دمشق أنتم الاخوان في الدين، والجيران في الدار، والأنصار على الأعداء، يا أهل دمشق ما الذي يمنعكم من مودتي والاستجابة لنصيحتي وأنا لا أبتغي منكم شيئا؟ فنصيحتي لكم، ومؤنتي (أي نفقتي) على غيركم، مالي أرى علماءكم يذهبون (أي يموتون) وجهّالكم لا يتعلمون؟! مالي أراكم تجمعون ما لا تأكلون وتبنون ما لا تسكنون وتؤملون ولا تبلغون؟! لقد جمعت الأقوام من قبلكم وأملت، فما هو إلا قليل حتى أصبح جمعهم بوارا وأملهم غرورا، وبيوتهم قبورا، هذه عاد يا أهل دمشق قد ملأت الأرض مالا وولدا، فمن يشتري مني تركة عاد اليوم بدرهمين، فجعل الناس يبكون حتى سمع صوت بكائهم خارج المسجد. ومر ذات يوم على جماعة يتجمهرون على رجل وجعلوا يضربونه ويشتمونه فأقبل عليهم وقال: ما الخبر؟ قالوا: رجل وقع في ذنب كبير، قال: أرأيتم لو وقع في بئر أفلم تكونوا تستخرجونه منه؟! قالوا: بلى، قال: لا تسبوه ولا تضربوه، عظوه وبصروه واحمدوا الله الذي عافاكم من الوقوع في ذنبه، قالوا: ألا تبغضه؟! قال: إنما أبغض فعله فإذا تركه فهو أخي، فأخذ الرجل ينتحب ويعلن توبته. وجاءه شاب يقول له أوصني، فقال: يا بني اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء، يا بني كن عالما أو متعلما أو مستمعا ولا تكن الرابع فتهلك. وبعث إليه والي دمشق يخطب ابنته لابنه فأبى وأعطاها لشاب من عامة المسلمين رضي دينه.

ثانيا: سعيدة بجامعة القاهرة:
لا يعلم كثير من الناس أن التي أنشأت جامعة القاهرة بمصر على أرضها ومن مالها الخاص وباعت حليها لإنشائها، وأوقفت (4000) فدان كانت تملكها في محافظة الدقهلية للإنفاق من ريعها على الجامعة هي الأميرة فاطمة الزهراء بنت الخديوي إسماعيل وشقيقة الأمير أحمد فؤاد، وتبدأ قصة الجامعة المصرية عندما قاوم المصريون سياسة التجهيل التي فرضها الاحتلال الإنجليزي البغيض على مصر وسعى بعض المخلصين من أبناء مصر لإنشاء جامعة مصرية واعترضت سلطات الاحتلال الإنجليزي وصرح بأن مصر تحتاج إلى تعليم متوسط فني وليس لإقامة جامعة للتعليم العالي. وافتتح المصريون الجامعة عام (1908م) في مقرها المؤقت بقصر جتاكليس وقد تم استئجار هذا القصر بمبلغ (400) جنيه سنويا وكان هذا عبئا ماليا كبيرا على موارد الجامعة الوليدة في ذلك الحين، وبدأت الجامعة تتعثر ماليا، واحتاجت إلى دعم مالي كبير ومتواصل حتى تستطيع تعليم المصريين، وهددت الجامعة بالإفلاس وهنا هبت الأميرة فاطمة الزهراء رحمها الله لإنقاذ الجامعة بتبرعات فاقت كل توقع فأوقفت فدادينها بمحافظة الدقهلية عليها، وتبرعت بمجموعة كبيرة من مجوهراتها وحليها، وأهدت الجامعة الأرض التي أقيمت عليها بالجيزة وهذه التبرعات تساوي بعملة ستينيات القرن العشرين (160) مليون جنيه مصري وذكر عبدالرحمن الرافعي أن قيمة المجوهرات التي تبرعت بها الأميرة بلغت (180000) جنيه مصري عام (1909م). لقد سعدت الأميرة فاطمة الزهراء بكل متعلم وباحث وموظف عمل في الجامعة.

ثالثا: سعيد بنشأتي:
نشأت في عائلة تهتم بالعلم والتعليم وتربية الأولاد، رزقها الله الرزق الوفير والأراضي الزراعية الممتدة على مدى البصر كانت طفولتي سعيدة، عزبتنا كانت المركز الثقافي والحضاري والسياسي في المنطقة، تؤثر في نتائج الانتخابات لمجلس النواب، تعقد فيها الندوات والمؤتمرات الانتخابية بالذات، مسجدها مركز حضاري رواده يغلب عليهم التعلم، الأرض متسعة والأشجار في كل مكان والخضرة تملأ المكان، المباني والحمد لله راقية والأمهات مثقفات واعيات بدورهم في التربية والتأديب وكانت والدتي رحمها الله مهتمة بتأديبنا وإبعادنا عن المحرمات تحفزنا على التفوق في الدراسة تسهر معنا أثناء المذاكرة لتؤنسنا وتبعد عنا شبح الخوف من عواء الذئاب في الحقول وأوهام الأساطير والخوف من الظلام، كنا نأكل أشهى الطعام، ونلبس الملابس الجميلة والنظيفة وكنا نكويها قبل الخروج بها، والحلاق يأتينا البيت ويطهر الأدوات بالكحول، ووالدتي توكد غليان محقن الأدوية لمدة لا تقل عن ربع ساعة، ووالدي يصر على إعطائنا حقن ضد البلهارسيا كل صيف، رمضان كان من أجمل الأيام وكذلك الاحتفال بالمولد النبوي، الخرافات غائبة عن حياة العائلة، أساليب السحر والشعوذة لا مكان لها في حياتنا، الراديو موجود بالبيت، نلعب طوال العطلة الصيفية في الحقول وأكل ثمار التوت والبلح والفاكهة الأخرى والذرة والخضراوات، البيئة والحمد لله نظيفة والملابس الداخلية تغلى في صودا الغسيل ولا وجود في حياتنا للقمل والبراغيث المنتشرين في البيئة، المراتب والوسائد والملاحف والبطانيات تصعد إلى سطح البيت للتشميس كل أسبوع، الأدب مطلوب والبعد عن المحرمات والتدليل المفسد ممنوع، كل هذا ومثله في باقي مناحي الحياة موجود.
لذلك أنا سعيد بنشأتي التي تركت أثرا كبيرا في حياتي والحمد لله رب العالمين.

رابعا: سعيد بالاستخدام العلمي للتقنية الحديثة:
خلق الله سبحانه وتعالى الأرض وقدر فيها أقواتها وما يصلح معايش أهلها من كائنات حية، ومواد كيميائية وقوانين منظمة للحياة عليها وطلب منا الأخذ بالأسباب والبحث عن نعم الله الظاهرة والخفية في البيئة الأرضية وأمدنا بالحواس والعقل والتفكير والإبداع بما يساعدنا على استغلال كل ذلك وميزنا بذلك عن باقي المخلوقات الحية وكان من نتيجة ذلك ظهور التقنية الحديثة في كل مجالات الحياة، وقد استخدم البعض هذه التقنية استخدامات غير علمية فأفسدوا في البيئة الأرضية والحياة اليومية وانشغلوا باستهلاك التقنية الحديثة بطرائق غير علمية، وقد أفادتني هذه التقنية في إنتاجي العلمي البحثي العملي والتأليف النظري وتدريس الدروس وتنفيذ المناهج وتدريب المتعلمين والمعلمين، وقد ساعدت التقنية الحديثة على حفظ كتبي ونشرها بطريقة إلكترونية على مواقعي على شبكة الاتصالات العالمية، واتصلت بالعديد من الأفراد والبلدان والمؤسسات، وجاءتني آلاف الرسائل والأسئلة والطلبات والدعوة للمشاركة في المؤتمرات والندوات والمحاضرات والوظائف، وبذلك سعدت بالاستخدام العلمي المتقن والمفيد للتقنية الحديثة بعيدا عن العشوائية والعبثية وهدر الأوقات وضياع الحياة فيما لا يفيد، فالحمد لله رب العالمين.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٩١٦ – الجمعة ٢٩ أبريل ٢٠١٦ م، الموافق ٢٢ رجب ١٤٣٧ هـ