أولا: سعداء بحبنا للبحرين:
جئت إلى البحرين معارا من جامعة عين شمس إلى إدارة المناهج، سألت عن البحرين فأجمع كل من سألتهم أن أفضل مكان تذهب إليه هو البحرين، توكلت على الله وجئت البحرين وجدت بلدا نظيفا جميلا هادئا متميزا وكأنه البلد الذي أحلم به في خيالي،

ذهبت إلى العمل فوجدت أناسا متحضرين ووجدت رقيا في التعامل، ورقيا في التفكير وانفتاحا ثقافيا عجيبا، فوجئت بالمستوى الراقي للمرأة في البحرين، ذهبت إلى المدارس وفوجئت بالمستوى العالي لمدرسة الحد الثانوية للبنات أول مدرسة دخلتها، ومدرسة خولة الثانوية للبنات ومدرسة الهداية الثانوية للبنين، ومدينة عيسى الثانوية للبنين ومدينة حمد الثانوية للبنين، ومدينة حمد الثانوية للبنات والسنابس الإعدادية للبنات، وهكذا باقي مدارس البحرين، جاء أولادي بعدي بمدة قصيرة سكنَّا في شارع المعارض مقابل مدرسة أم سلمة الإعدادية للبنات والتحق أولادي بالمدارس الابتدائية، وجدنا أنفسنا في بلد طيب، حمدنا الله أننا اخترنا البحرين. تعلق أولادي بالبحرين وسعدوا بالدراسة والنظام العام في الشوارع وتنظيم المرور والمراكز الصحية والأسواق والمحلات، مر العام الأول بسرعة عجيبة وابتدأنا في وضع المناهج لنظام الساعات المعتمدة، وتأليف الكتب والكراسات العلمية، أحببت العمل في التأليف بدرجة لا يتصورها عقل، قسمت شعبة العلوم إلى شعبتين وألحقت بشعبة التعليم الثانوي وجدت بغيتي كاملة في مناهج الأحياء والزراعة وبدأنا التعامل مع المدرسين والمدرسات، سعدوا بما أعددناه من مناهج، وبدأنا في تدريبهم، شعرت أن هذا العمل وهذا المكان هو المدينة الفاضلة التي كنت أتمنى أن أعيش فيها.
سافرنا بالسيارة في العطلة الصيفية خارج البحرين وكان الطريق طويلا وعندما شاهد أولادي أول سيارة مكتوبا عليها البحرين غمرتهم السعادة بالعودة إلى البحرين أطلوا من نوافذ السيارة على غير عادتهم وعادتي كانوا يغنون البحرين قلبك يتهنى، الله أكبر، حاولت التحكم في مشاعرهم الفياضة ظلوا يغنون للبحرين، أوقفت السيارة وطلبت منهم الهدوء حرصا على سلامتنا والتركيز في الطريق، كانت الفرحة تغمرنا بالعودة إلى البلد الذي أحببناه وتملك كل مشاعرنا.
ابنتي الصغيرة كانت تدرس خارج البحرين تبكي حبا وشوقا وعشقا للبحرين التي تربت فيها وأحبت مدارسها ومعلماتها وكل مكان فيها، فاللهم بارك في البحرين، وحكام البحرين، وأهل البحرين، وأحباء البحرين من المقيمين والوافدين، البلد التي لا تفرق بين المواطن والمقيم في المعاملة والخدمات والمدارس والمراكز الصحية والمصالح والخدمات الحكومية، بلد متحضر، شعب متعلم، حياة هانئة والحمد لله رب العالمين.

ثانيا: سعيد بالجلوس معهم!!!
سألني أحد الجيران لماذا لا نراك كثيرا خارج البيت؟! قلت له: مشغول في البيت، قال: ألا تمل من الجلوس في البيت وعدم اللقاء مع الناس؟! قلت له: ومن قال لك إنني لا أجلس مع الناس في البيت؟ قال: أين هم الناس؟! قلت: في البيت، قال: الناس في البيت؟! قلت: نعم، علت وجهه الدهشة وهز رأسه عجبا وحدق في عيناي، قلت له: اندهشت؟! صمت قلت له: أتظنني أمزح؟ قال: يعني، قلت: إن معي في البيت ما لا يقل عن ألف شخصية فذة، قال: ألف شخصية؟! قلت: نعم، خاف مني وهم بالانصراف، قلت له: لا تظن أنني أمزح أو أقول غير الحقيقة إن معي في البيت ابن النفيس، وابن البيطار، والجاحظ، وابن السعدي، وابن عاشور، وأحمد عكاشة، ونظمي لوقا، ومحمد عمارة، والقرضاوي، والجبرتي، وعددت له الكثير، قال: كل هؤلاء معك في البيت؟!! قلت: نعم، عاود هز رأسه والتحليق بعينيه، قلت: لا تندهش يا جاري العزيز أجلس مع مؤلفاتهم الإبداعية والرائعة أقرأ فيها وأعلق عليها وأؤلف منها، تبسم بسمة عريضة وذهبت الدهشة من قسمات وجهه، وقال: الآن فهمت، قلت له ما أحلى الجلوس معهم، إن رفقتهم تجذبني ولا أملّ من الحديث معهم أتنقل بينهم في سهولة ويسر، لا يملون حتى بعد أن أتركهم ويغروني بالجلوس معهم.
إن أردت أن تضيف إلى عمرك أعمارا فالكتاب خير معين وخير مضيف، بذل المؤلف فيه أوقاتا غالية، إنه كالثمرة الناضجة الحلوة التي لا تكلفك غرسها وخدمتها الزراعية ومشقة الحصول على ثمارها لذلك أنا سعيد بالجلوس معهم.

ثالثا: سعيد بمجلس العوضي:
دائما مشغول بالقراءة والكتابة والتأليف، لا أغادر البيت إلا نادرا تعرفت على صديقي الحبيب الأستاذ عبدالرحمن علي البنفلاح الذي قسم وقته بين الكتابة والتواصل مع الناس، يوم الأحد يذهب إلى مجلس الشيخ علي أحمد العوضي، ويوم الإثنين يذهب إلى مجلس الشيخ عبدالرحمن بن عبدالسلام ويوم الثلاثاء في مجلس العائلة (مجلس البن فلاح) ويوم الأربعاء مجلس الشيخ أحمد حميد، ويوم الخميس يذهب إلى أحد الأصدقاء، ويوم الجمعة يقضيه مع أرحامه، تقسيمة عجيبة لا أقدر عليها، أخذني إلى مجلس الشيخ علي أحمد العوضي شدتني شخصية صاحب المجلس بطريقة عجيبة، وشدني رواد المجلس وتنظيم الشيخ علي وفلسفته التي تفيض على الجميع، يحضر إلى مجلسه السفراء والوزراء والمديرون والأطباء وأساتذة الجامعة والتجار والمدرسون والمشايخ، والشيوخ من جميع القارات من إفريقيا وآسيا وأوروبا، الكل منجذب إلى المجلس وإلى الشيخ علي الودود الوقور خفيف الظل عذب الكلام اللماح الذي ينزل الناس منازلهم، طلب مني الحديث، بدأت بالحديث عن الإعجاز العلمي في النبات وعن التربية الإسلامية والسيرة النبوية والمناسبات بالتناوب مع الصديق الأستاذ عبدالرحمن على البنفلاح ومن يحضر من المختصين والزائرين من خارج البحرين، خرجت من أسلوبي المعهود، كلما راودتني نفسي بالجلوس يوم المجلس اتصل بي الشيخ على العوضي رحمه الله وحفزني الأستاذ عبدالرحمن على الذهاب معه إلى المجلس، في المجلس تعرفت على الكثير من الشخصيات المحترمة واستمعت وسعدت بالموضوعات المتنوعة التي تعرض في المجلس من كل بلدان العالم، إنه نوع من الثقافة المتنوعة عجيب ومفيد، تعرف كيف أسلموا، وكيف يفكرون، وكيف ينظرون للعرب نظرة تقدير واحترام، وكيف يقدرون الشيخ علي العوضي رحمه الله، إنها لحظات أسعد فيها في مجلس العوضي والحمد لله.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٥٥٢ – الجمعة ١ مايو ٢٠١٥ م، الموافق ١٢ رجب ١٤٣٦ هـ