أولا: أسعد الحيوانات:
يسعى الكثير منا إلى تسجيل اسمه في موسوعة جينيس للأرقام القياسية ليظل مذكورا في تاريخ البشرية، ويسعى الكل للحصول على جائزة نوبل ووضع اسمه في سجل الفائزين والخالدين،

 وعندما يأتيه الخبر بتحقيق ذلك يفرح فرحا شديدا ويقيم الحفلات والزينات. ومن أسعد المخلوقات تلك الحيوانات التي ورد ذكرها في القرآن الكريم كتاب الله الخالد، والسنة النبوية وتاريخ البشرية المشرف، ومن هذه الحيوانات البقرة التي كرمت وتصدرت أطول سورة في كتاب الله (إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) البقرة (69) (إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا) البقرة(71) ومن هذه الحيوانات هدهد سيدنا سليمان (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ* إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) النمل(22-23)، ومنها النملة (حَتَّى إذا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) النمل(18) قال المفسرون عن النملة إنها نادت (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ)، وأرشدت (ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)، وحذرت (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ)، وعذرت (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).
وكذلك كلب أصحاب الكهف قال تعالى: (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) الكهف(18) وفي السنة النبوية الهرة التي دخلت النار فيها امرأة لأنها حبستها ولم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض، والكلب الذي أدخل البغي الجنة لأنها رحمته وسقته من العطش، والرجل الذي ملأ خفه وسقى الكلب الذي كان يأكل الثرى من العطش فشكر الله له فغفر له، ومن أشهر الحيوانات في التاريخ دجاج فرتونة المصرية التي أرسلت لأمير المؤمنين عمر أن يحميه من السرقة والمفترسات فأرسل إلى عامله في مصر يأمره ببناء حائط حول دجاج فرتونة ويحميه من السرقة والافتراس، وكذلك أضحية معاذة العنبرية التي انتفعت بكل شيء فيها، والهررة التي أوقف عليها وقف الهررة في مصر لإطعامها وسقايتها ورعايتها، والطير الذي أوقف عليه الوقف من المسلمين لحمايته عندما يتخلف عن العودة من الهجرة إلى أوروبا على مشارفها في تركية.
هذه من أسعد الحيوانات التي سجلت في كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والحضارة الإسلامية لتدلل دلالة قاطعة على اهتمام الإسلام بالحيوان والحياة الفطرية وإسعاده في الحضارة الإسلامية.

ثانيا: سعيد بالقمامة !!!
تمثل القمامة في الدول المتخلفة الفاشلة الفاسدة مشكلة كبرى، وهي في الدول المتقدمة ثروات ونعمة كبرى، وقد سبق المسلمون تلك الدول بتدوير القمامة، فقد كان سعيد ينهى خادمته أن تخرج الكساحة (الكناسة) من الدار، وأمرها أن تجمعها من دور السكان وتلقيها على كساحتهم فإذا كان في الحين جلس وجاءت الخادمة ومعها زمبيل (وعاء من خوص النخيل) فعزلت بين يديه من الكناسة زمبيلا ثم فتش واحدا واحدا فإن أصاب دراهم وصرة فيها نفقة والدينار أو قطعة حلي فسبيل ذلك معروف.
وأما ما وجد فيه من الصوف فكان وجهه أن يباع إذا اجتمع من أصحاب البراذع (كساء ظهر الدابة) وكذلك قطع الأكسية.
وما كان من خرق الثياب فمن أصحاب الصينيات والصلاحيات.
وما كان من قشور الرمان فإلى الصباغين والدباغين.
وما كان من القوارير فإلى أصحاب الزجاج، وما كان من نوى التمر فإلى أصحاب الخشوف، وما كان من نوى الخوخ فإلى أصحاب الغرس.
وما كان من المسامير وقطع الحديد فللحدادين.
وما كان من القراطيس فللطرازين.
وما كان من الصحف فلرؤوس الجرار.
وما كان من قطع الخشب فللأكافين (صانعوا براذع الحمير).
وما كان من قطع العظام فللوقود.
وما كان من قطع الخزف فللتنانير (الأفران الجديدة).
وما كان من الحصى فمجموع للبناء.
وما كان من قطع القار (الزفت) بيع للقيار.
وباقي التراب يضرب منه الطوب وأمر من في الدار ألا يتوضؤوا ولا يغتسلوا إلا عليه فإذا ابتل ضربه لبنا (أي طوبا أخضر غير محروق).
وهكذا سعد سعيد بتدوير الكساحة والقمامة وانتفع بكل شيء فيها حتى التراب.
أما المهملون الفاشلون فهم تعساء بالقمامة في شوارعهم ومكبات قمامتهم وأماكن تكدسها في ساحتهم.

ثالثا: سعيدة بدجاجها !!!
من السعادة أن يعيش الإنسان آمنا في سربه مطمئنا على ممتلكاته وعلى وجود من يحميه من أي اعتداءات أو مخالفات، وهذا ما وجدته فرتونة المصرية عندما هددت الحيوانات المفترسة والسراق دجاجها الذي تربيه، وتهتم به وتأكل منه وتتكسب من انتاجه، وفرتونة أمة مصرية سوداء أرسلت رسالة إلى والي المسلمين وأميرهم عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ورضي عنه قالت: إن حائطا لها قصير، وأنه يقتحم عليها منه فيسرق دجاجها ويفترس.
فكتب لها عمر رحمه الله: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلى فرتونة السوداء مولاة ذي أصبح: بلغني كتابك وما ذكرت من قصر حائطك وأنه يدخل عليك منه فيسرق دجاجك ويفترس وقد كتبت لك إلى أيوب بن شرحبيل (وكان أيوب عامله على صلاة مصر وحربها) آمره أن يبني لك ذلك حتى يحصنه لك مما تخافين إن شاء الله والسلام.
وكتب عمر رضي الله عنه كتابا آخر إلى أيوب بن شرحبيل يأمره فيه أن يذهب بنفسه إلى فرتونة السوداء ليحصن لها بيتها فذهب وحصنه لها (أورده ابن الحكم في سيرة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله) وبذاك شملت رعاية عمر بن عبدالعزيز رحمه الله تلك المرأة المصرية ودجاجها الذي يسرق أو تأكله الحيوانات المفترسة فاهتم بها اهتماما عجيبا وطمأنها على ممتلكاتها وأدخل السعادة والسرور عليها وعلى أسرتها فسعدت بدجاجها وحائطها وحماية أمير المؤمنين لها والاهتمام بها.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٨٤٦ – الجمعة ١٩ فبراير ٢٠١٦ م، الموافق ١٠ جمادى الأولى ١٤٣٧ هـ