أولا: طوبى للسعداء 
طوبى للسعداء الذين يصلحون عندما يفسد الناس ويبدعون عندما يتسلق الجهلاء، إنهم الغرباء في كل زمان ومكان، يتمسكون بالحق والقيم والمروءة والصدق والهمة العالية في بيئة فاسدة مليئة بأهل الباطل والكاذبين والمرجفين والمتسلقين.

لقد أعد الله لهؤلاء المصلحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، تتلقاهم الملائكة يوم الفزع الأكبر يبشرونهم بالنعيم المقيم ورضا رب العالمين ويصحبونهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين يصلحون في الأرض.
إنها السعادة الأبدية والحياة الحقيقية، والفوز الكبير جراء ثباتهم على الحق وعلى القيم النبيلة والمروءة والصدق وثقتهم في وعد ربهم، ومحاولتهم الدائمة والدائبة للإصلاح ومقاومة الفساد في الأرض والمتاجرة في الدين والقيم، طوبى لمن يعملون بإخلاص وصواب في الدنيا وكأنهم يرون أهل النار في النار يتعذبون وأهل الجنة في الجنة يتنعمون.

ثانيا: سعيد بشجر الكافور!!
شجرة الكافور (يوكاليبتس) من الأشجار العملاقة التي كانت تنتشر في محيط البيوت وحدائقها الخاصة والفواصل بين الأملاك الزراعية، وعلى شواطئ الترع وبحار المياه العذبة المتفرعة من أفرع نهر النيل الرئيسة وعلى جانبي الطرق المعبدة التي تربط المحافظات والبلدان، لذلك ارتبطت حياتنا بتلك الشجرة ارتباطا عجيبا، حيث الظل الظليل، وحفيف الأشجار الرقيق والرائحة المنبعثة من الأزهار بأسديتها الطويلة الصفراء الجميلة ذات الرائحة المميزة. كنا ننام أسفل هذه الأشجار بعمق عجيب يرجع إلى الروائح والمواد الكيماوية التي تنتجها هذه الشجرة وتطرد الذباب والحشرات من محيطها.
ويتميز خشب الشجرة بالقوة والسماكة واللون الأحمر المشابه للون خشب الزان، تصنع منه دعائم أسوار الحدائق والأبواب والشبابيك وتسقف بجذوعها وأفرعها البيوت والاستراحات لذلك ارتبطت حياتي بتلك الشجرة وأسعد سعادة بالغة عندما أشاهدها أو أجلس أسفل منها.
كان لعمي أبو العلى أبو العطا موسى بيت مجاور لبيتنا وكان أمام بيته جرن متسع لدراس المحاصيل يحيط به من الناحية البحرية قناة تفصلها عن الأرض الزراعية وعلى حافتها من ناحية البيت مجموعة كبيرة من أشجار الكافور على استقامة واحدة، يأتيها الهواء فتسمع حفيفها الجماعي ورائحة الكافور المميزة والعطرية، كان عمي أبو العلى يهوى تربية الخيول وترويضها كنا نجلس تحت شجر الكافور لنرى كيف يروض الخيول وما هي ألا لحظات حتى يغلبنا النوم من الهواء العليل الآتي من الحقول المترامية مع حفيف الورق، عندما يستيقظ الواحد منا يشعر أنه نام عشرات السنين من الراحة التي يشعر بها، كنا نجلس تحت الأشجار نستذكر دروسنا والعصافير تغرد من فوقنا، ويأتينا الشاي والأقراص المخبوزة بالسمن والزبد من بيت عمي أبو العلى أو من بيتنا، ما أحلى هذه الأيام وما أسعدها! أيام قضت عليها المدينة الحديثة والبناء المتزاحم للأجيال الجديدة في تلك الأجران التي كانت ملاذا للعبنا والسهر تحت ضوء القمر على أقراص الدراس من القمح والشعير والأرز والذرة والفول، ما أحلى هذه الأيام التي سعدنا بها سعادة بالغة!

ثالثا: السعادة في نضرة النعيم:
موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عمل علمي ثقافي أخلاقي إسلامي متميز للغاية شارك في إعدادها جمهرة من العلماء يزيد عددهم على الواحد والثلاثين علاوة عن المشرفين والاداريين وخدمات الكتابة والطباعة والتدقيق، وهي تقع في أحد عشر مجلدا علاوة عن مجلد الفهارس، حوت الأخلاق الحميدة مرتبة بحسب الحروف الأبجدية، والأخلاق المذمومة، جمعت التعريفات والمصطلحات والآيات والأحاديث وأقوال العلماء وما يرشد إليه كل مصطلح ومفهوم ونشرتها دار الوسيلة للنشر والتوزيع بجدة في المملكة العربية السعودية في طبعتها الأولى عام(1418هجرى) الموافق (1998م).
وقد جمعت هذه الموسوعة فوعت في عمل جماعي عظيم أي خلق ممدوح ومستحب تجد الآيات التي تشير إليه والأحاديث النبوية الصحيحة والمخرجة الدالة عليه، إنها مكتبة جامعة في مجالها، وقد سعدت للرجوع إليها في العديد من مؤلفاتي ومقالاتي، وأنصح كل بيت أن تكون عنده هذه الموسوعة ليسعد بأخلاق سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ويرى كيف تكون الأعمال الجماعية متميزة وشافية وكافية في مجال العمل الذي تقوم به مجموعة من المختصين.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٨٦٧ – الجمعة ١١ مارس ٢٠١٦ م، الموافق ٢ جمادى الآخرة ١٤٣٧ هـ