أولا: سعداء بتميزهم:
التقويم هو المحدد للنجاح وتحقيق الأهداف، وكلما كان الاختبار صادقا ومستمرا وشاملا وقويا كان التفوق فيه قمة السعادة وخاصة إذا رسبت الكثرة الكاثرة، وتفوقت الفئة القليلة ونشرت النتيجة في أعظم كتاب وفي النسخة الوحيدة التي تمتلكها البشرية، هذا ما حدث مع المؤمنين من جند طالوت عندما قابلوا جالوت وجنوده،

قال تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا) البقرة (247) فرسبوا في الاختبار الأولي وكانت إجابتهم: (قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ) البقرة (247)، بين لهم نبيهم سبب اختيار طالوت: (قالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة (247)، فشروط القيادة للجيش متحققة في طالوت وهي العلم والقوة واختيار العليم الخبير له، وحان موعد الاختبار الثاني: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) البقرة (249)، فكانت نتيجة الاختبار مروعة (فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ) البقرة (249)، رجعت الكثرة من الجيش الذين رسبوا في الاختبار،(فلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ)، وظهرت كثرة جيش جالوت، (قالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ)، قال المتميزون: (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) البقرة (250) (فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ) البقرة (251) وسعد المؤمنون بنصر الله وبتميزهم في الاختبارات.
ثانيا: سعداء بصدقهم:
كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وخيرهم من بشرّه الله سبحانه وتعالى بتوبته عليهم، ثم أمر المؤمنين أن يكونوا معهم، حدث هذا لكعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع الذين تخلفوا عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة العسرة في غزوة تبوك عندما خرج المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لردع الروم ومن معهم من الأعراب الذين عزموا على غزو المدينة المنورة، والقضاء على دولة الإسلام والتوحيد في الأرض، تخلفوا دون عذر مقبول فخلف المصطفى صلى الله عليه وسلم قبول توبتهم، وأمر بمقاطعتهم، وظلت المقاطعة خمسين يوما حتى تحولت المدينة بالنسبة إليهم إلى زنزانة متحركة، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، هؤلاء صدقوا الله تعالى، وصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظلوا يبكون خمسين يوما وحاول العدو استمالة كعب بن مالك ولكنه علم أن هذا من الفتنة، وبعد ذلك جاء الأمر من الله سبحانه وتعالى بقبول توبتهم، وجبرا لخاطرهم أضاف توبتهم إلى توبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر المسلمين أن يكونوا معهم ووصفهم الله تعالى بالصادقين، قال تعالى: (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ* وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إذا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة (117-119) وهكذا فرحوا بصدقهم وبرضا الله وسعدوا بتوبته عليهم.
ثالثا: الأجنة السعيدة:
الجنين من المراحل المهمة في حياة الكائنات الحية وخاصة جنين الإنسان وقد هيأ الله تعالى للجنين الضعيف أسباب العيش والحماية والرعاية في رحم أمه وأمده بالغذاء من دون تعب أو نصب أو طلب منه، وزرع الحنان في قلب أمه وأبيه عليه، ومع ذلك أساءت بعض الأمهات وبعض الآباء لأبنائهم في مرحلة الجنين، ولذلك شرع الإسلام التشريعات الحامية للجنين، فلا يأتي عن طريق الزنا والسفاح بل يأتي عن طريق الزواج الشرعي المشهود عليه من الأهل والمجتمع وأحاط الرحم بحماية اجتماعية وصحية، وحفظه من مسببات أمراض البغاء والشذوذ والزنا، وكلف الوالد بالإنفاق على الأم ورعايتها أثناء الحمل، ومنع اختلاط الأنساب وما يضر الجنين من التدخين وشرب المسكرات والمفترات، وحرم الإسلام قتل الجنين أو إسقاطه من رحم أمه، وحمى الجنين البنت من جاهلية الرجال والنساء بتفضيل الجنين الذكر على الجنين الأنثى، وحفظ حق الجنين في الميراث، وبذلك سعدت الأجنة في ظل شرع الله القويم ومنهاجه العظيم وهيأ لها البيئة الرحمية الصحية، وكلف الوالدين برعايتها بعد الولادة، واختيار الاسم الحسن للولد، ورضاعته الرضاعة الفطرية، وحمايته من سوء التغذية والإهمال الأسري، كما حمى الإسلام أجنة الحيوان وبيوض الطير من التدمير والإفساد في البيئة واستخدام المواد السامة في المقاومة للحشرات والجرذان قال تعالى: (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها).
رابعا: سعداء بأبنائهم:
الأبناء نعمة من نعم الله على العبد ومع ذلك حذرنا الله سبحانه وتعالى من عداوتهم وفتنتهم لنا فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) التغابن (14)، فعندما يكون الابن سببا في جمع المال الحرام من أجله، والانشغال به عن طاعة الله ورضاه أو تركه على المعصية وموافقته عليها فإنّ هذا الولد أعدى أعداء أبيه وأمه لأنه قد يدخلهم النار بموافقتهم على معصيته، فهذا الوالد تعيس بأبنائه، ولكن هناك نماذج سعيدة بأبنائها في الدنيا والآخرة، يربونهم التربية الخلقية العلمية الاجتماعية المتميزة فيبرهم أولادهم طاعة لله، فهذا أمير المسلمين عمر بن عبدالعزيز يرى ابنه يوم عيد بثوب خلق (قديم)، فيبكي عمر، فيقول الولد: ما يبكيك يا أمير المؤمنين، فيقول عمر: أخشى أن يراك الغلمان بهذا الثوب الخلق فينكسر قلبك، فيقول الولد: يا أبي إنما ينكسر قلب من عصى الله وعقّ أمه وأباه، وهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يقول لابنه: (قالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) الصافات(102)، وعن الثلاثة نفر الذين نجاهم الله من الغار قال أحدهم عندما أحضر لوالديه العشاء فوجدهما قد ناما قال: (فوقفت والقدح بين يدي حتى استيقظا وأكلا غبوقهما (أي طعم العشاء) وهذا سيدنا لقمان يجد في ابنه الولد المطيع ويسدي إليه النصح والتربية والولد يستجيب ويطبق وهو سعيد، هؤلاء الآباء سعداء بأبنائهم وبمردود تربيتهم لهم، والعاقل من ربّى أولاده على الصدق والإخلاص وطاعة الله ليطيعوه ويسعدوه عند الحاجة إليهم في الدنيا وعند لقاء الله في الآخرة.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٨٣٢ – الجمعة ٥ فبراير ٢٠١٦ م، الموافق ٢٦ ربيع الثاني ١٤٣٧ هـ