أولا: سعداء حول النبي صلى الله عليه وسلم:
من سعادة المسلم أن يذهب إلى المدينة المنورة ويدخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وصاحبيه ويسلم عليه ويتمنى أن تطول الزيارة وتغمره سعادة نادرة، فماذا تكون حال المسلم إن تصور نفسه حول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده والصحابة يحيطون به، ويصلون معه، ويتمتعون برؤيته؟

لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم سعداء بصحبته صلى الله عليه وسلم وهو سعيد بهم وهم يؤسسون دولة التوحيد الخالص والنوايا الحسنة، والأعمال الصالحة، يتسابقون إلى طاعة الله وطاعة رسوله، وقد أمرنا الله تعالى أن نكون منهم ومعهم في سلوكهم فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة (119)، قال بعض المفسرين أي مع الصحابة. وقال الله تعالى: (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) التوبة (117)، فقد بدأ الله سبحانه وتعالى بتوبة نبيه معهم جبرا لخاطرهم وهذا يدخل السعادة على قلوبهم وقال عنهم: (محَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الفتح (29). فما أسعدهم بهذا.

ثانيا: سعداء في بلاد الأفراح !!!
الحياة الدنيا حياة عمل وجهاد وكفاح وأفراح ولكنها ليست أفراحا دائمة، ينغصها على العبد المرض والفقر والحاجة والخوف من زوال النعمة أو تركها بالموت أو فراق الأحبة، وقد شاء الله أن يجعل الحياة الدنيا مزرعة للآخرة، فيها نعمل ونسعى ونحن على وجل وترقب الفراق، فالسعادة في الدنيا سعادة موقوتة أو مختلطة بما فيها من الابتلاء والتعب والنصب.
أما السعادة التامة والكاملة والدائمة والمؤمنة والآمنة هي السعادة في بلاد الأفراح الدائمة، والسعادة الكاملة في جنة الخلد ذات الأوصاف المبهرة والخيرات الباهرة، قال الله تعالى عن نعيم الجنة: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة(17)، ففي الدنيا كانت (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) السجدة(16). فتأمل كيف قابل خوفهم في الدنيا بالسكينة وقرة العين في الجنة.
قال الله عز وجل في حديث قدسي: (أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) مصداق ذلك في كتاب الله (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون). رواه البخاري.
وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو غربت) البخاري.
وبذلك تتم السعادة وتدوم في بلاد الأفراح، جنة النعيم المقيم ونعمة رب العالمين التامة على المؤمنين.

ثالثا: عوامل الذل والهوان:
التقصير في الواجبات العالمة والوقوع في المعاصي من أهم أسباب الذل والهوان العام والخاص، فالمشاركة في التفريط في الواجبات واقتراف المعاصي يوجب سخط الله وضياع التمكين والعزة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم). أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
والعينة: بكسر العين نوع من التحايل في البيع والشراء عبارة عن بيعتين في بيعة واحدة حيث يشتري المشتري السلعة بثمن إلى أجل وشراؤها بأقل من ثمنها الذي بيعت به قبل قبض ثمنها ممن بيعت عليه.
والأخذ بأذناب البقر: الاشتغال بالزراعة ووسائلها وترك الجهاد وباقي الصناعات والتقنيات، ورضيتم بالزرع وترك الصناعة والتجارة والحرف الأخرى بما يجعلنا عرضة للحصار الاقتصادي والتقني والعلمي للعدو وترك الجهاد يطمع العدو فينا ويذلنا ويجعلنا لقمة سائغة وسهلة لأعداء الله، فلا سعادة لنا ولا عز ولا قوة إلا بتقوى الله وترك التحايل في المعاملات وتسمية البيوع المحرمة بأسماء خادعة، والتنوع في الإنتاج وإعداد العدة للجهاد في سبيل الله.

رابعا: أصدقاء السعادة!!!
الصداقة كلمة نبيلة لمعان جميلة، فيها الحب والود والإخلاص، وإن أردت أن تعرف إنسانا تعرف إلى أصدقائه فالطيور على أشكالها تقع، وقال تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) الإسراء (84)، والصديق الصدوق يَصدُق صديقه ولا يُصدقه ويوافقه على كل سلوكه، لذلك قال تعالى عن الصديق الصدوق: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) الزخرف (67)، أي الأخلاء في الدنيا المتحابون فيها يوم تأتيهم الساعة يعادي بعضهم بعضا، ووجدوا تلك الأمور التي كانوا فيها أخلاء (وأصدقاء) أسبابا للعذاب فصاروا أعداء (إلا المتقين)، فإنهم أخلاء في الدنيا والآخرة (زبدة التفسير)، إنهم أصدقاء الصدق والسعادة في الدنيا وأصدقاء النعيم والسعادة الأبدية يوم الدين، فكن صديق السعادة الأبدية تنجو، ومن صفات هذه الصداقة التقوى من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل، فلا تصادق إلا مؤمنا، ينجيك بنصحه وإخلاصه من الهلاك في الدنيا والآخرة، إنهم أصدقاء التقوى، والنية الخالصة والعمل الصالح والسعادة الدائمة.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٨١٨ – الجمعة ٢٢ يناير ٢٠١٦ م، الموافق ١٢ ربيع الثاني ١٤٣٧ هـ