أولا: قلق البيوت:
البيت هو المكان الذي نعيش فيه مع من نحب من الأهل والأولاد، وهو حق من حقوق الإنسان التي كفلها الإسلام، ويبذل مالك البيت جهودا مادية وبدنية ونفسية واجتماعية لتشييده والحصول عليه وهو حريص على أمن البيت ومن يقطن فيه والحفاظ على حقوق الجيران، وإذا أصاب البيت حريقا أو انهيارا أو غرقا فإنّ الضرر يلحق بالجيران وبيوتهم،

 كما أن ترك البيوت من دون إعمار يجعلها موئلا للحيوانات الضالة واللصوص ومتعاطي المخدرات والاعتداء على الأعراض والأرواح، لذلك تحرص الحكومات والملاك على حماية البيوت من المخاطر، ومن الهدي النبوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أطفئوا المصابيح إذا رقدتم وغلقوا الأبواب وأوكؤا الأسقية، وخمروا الطعام والشراب وأحسبه قال ولو بعود تعرضه عليه) رواه البخاري.
والمصباح هنا يشمل السراج الذي يعمل بالزيت أو الكيروسين أو الغاز أو غير ذلك وتركه مشتعلا أثناء النوم قد يؤدي إلى اندلاع الحريق وإطفاؤه فيه الأمن أثناء النوم وفي هذا حماية للبيت والبيوت المجاورة والمحلات والمؤسسات.
وأوكؤا الأسقية أي اربطوا فوهتها حتى لا ينسكب الماء أو يغرق المكان ويدخل في ذلك صنابير المياه الحديثة.
وتخمير الإناء أي تغطيته لحمايته من الكائنات الملوثة له والضارة، وبذلك نحمي البيت حماية عاملة، وهذا سبق علمي بيئي صحي متميز، ومن فعل ذلك نام هادئا مطمئنا سعيدا بعيدا عن المخاطر والقلق.

ثانيا: إجراءات أمنية:
على العبد أن يتخذ الإجراءات في السراء والضراء وبذل كل جهده وطاقته للحفاظ على النعم التي أنعم الله بها عليه، وألا يعتقد أن الأخذ بالأسباب وحدها يمنع وقوع الأقدار والمخاطر، لذلك كان الواجب على العبد بعد الأخذ بالأسباب اللجوء إلى الله ليكفيه شر المخاطر وشر زوال النعم والعبودية للأسباب، لذلك كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك) أخرجه مسلم، ويقول أ.د.صالح السدلان في شرح الحديث: إن من نعم الله على عباده المؤمنين أن علمهم أذكارا يلجأون إليه بها في السراء والضراء لتحميهم بإذنه تعالى من حلول نقمه وتكون سببا بكرمه في حلول نعمه، ومن تلك الأذكار الجامعة النافعة الاستعاذة من أربعة أشياء، الاستعاذة من زوال النعم على عبده، والاستعاذة من تحول العافية، لأنّ كشف ستر الله عن العبد في نفسه وأهله وماله من أعظم البلايا والرزايا عليه، والاستعاذة من فجاءة النقمة لشدتها على النفس لأنك لم تكن تتوقعها، والاستعاذة من جميع السخط، وهو شامل لجميع مظاهر سخط الله تعالى، وبذلك يستحب للعبد الاستعاذة من المذكورات في الحديث مع ضرورة اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى في السراء والضراء وألا يقتصر الإنسان في اللجوء على أوقات الضراء فقط (أ.هـ.) وعلى العبد أن يتعرف إلى الله في الرخاء ليعرفه سبحانه في الشدة وبذلك تتحقق السعادة الحقيقية.

ثالثا: أدعية السعادة:
من مجلبات السعادة الحرص على ما ينفع العبد، والعمل العلمي المخلص، والأخذ بالأسباب كما فعل ذو القرنين قال تعالى: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا* فَأَتْبَعَ سَبَبًا) الكهف (84-85) وقال تعالى عنه: (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا) الكهف(89) فمن أراد أن يعيش سعيدا هانئا مطمئنا عليه الأخذ بالأسباب في كل عمل يعمله، وأن يجعل النية خالصة لله فيه، وإذا جاءت النتائج على عكس المراد بعد الأخذ بالأسباب رضي العبد بقضاء الله (فإن المرء إذا رضي بقضاء الله وقسمته، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه) عاش سعيدا مهما كان حاله من فقر أو غنى أو مرض أو صحة وهذا أعظم ما ينشده المرء، ولذلك أثر عن بعض السلف أنه كان يقول: إننا في سعادة لو علم بها الملوك لجالدونا عليها (بالسيف) ومن الهدي النبوي: (اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الممات ولذة النظر إلى وجهك شوقا إلى لقائك)، قال الألباني حديث صحيح.
والرضا يولد الشوق إلى لقاء الله، وهذه النعمة من أوسع النعم وأشملها إذا رزقها المؤمن رافقته في حياته وعند موته في الآخرة. (أ.د.صالح السدلان في أربعين حديثا كل حديث أربع خصال) وإذا واظب العبد على الدعاء بهذا الدعاء لزمته السعادة في الدنيا وطاب عيشه وعاش عيش السعداء.

رابعا: أدب الكلام
أدب الكلام نعمة كبرى، وهو إحدى الصفات التي يتحلى بها عباد الرحمن، قال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) الفرقان(63)، فعباد الرحمن يواجهون خطاب الجاهلين بطريقة حكيمة، فهم لا ينطلقون مع الناس الذين يثيرونهم بالكلام القاسي، ولا يندفعون وراء ردة الفعل الغريزية التي تتحرك بطريقة الإثارة، من أجل مواجهة الكلمة القاسية الغليظة بمثلها بالقسوة والغلظة، أو في مقابلة الشتم والسباب بمثله، بل ينظرون في الأمور بعقل متأمل واع، فإذا رأوا للموقف خطورة تستدعي الرد، كان ردهم لطيفا حاسما (الجامع لأحكام القرآن، نقلا عن أدب الكلام الدكتور عودة عبدالله دار النفائس الأردن عمان (ص 199) (2005م).
فعباد الرحمن على منهاج مغاير تماما لمنهاج الجاهلي الذي يقول:
ألا لا يجهلن أحدٌ علينا* فنجهل فوق جهل الجاهلين.
فإن أردت السعادة الحقيقة عود نفسك على الحلم ومقابلة السيئة بالحسنة، والإعراض عن الجاهلين، وبذلك تحفظ عليك لسانك ودينك ووقارك وهيبتك وتنام قرير العين وأنت تعلم أن كل ما جاهل به الجاهلون مسجل عليهم عند الله وهو يتولى محاسبتهم على فعلهم، قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق(18)، وبذلك يرتاح بال العبد ويعيش سعيدا في الحياة.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٨١١ – الجمعة ١٥ يناير ٢٠١٦ م، الموافق ٥ ربيع الثاني ١٤٣٧ هـ