أولا: أي أنواع الحب تحب؟!!
الحب قيمة إنسانية رفيعة، وسلوك إنساني نبيل، والحب أنواع ودرجات ومواصفات، فمن الناس من يحبك لأنّ منفعته الدنيوية معك، فإذا انتفت المنفعة انتفى معها حبك، وهذا حب لا تبكي عليه واحمد الله أن خلصك منه.

ويوجد الحب الفطري في السراء والضراء وهو حب الوالد لولده وحب الأم لابنها، وهذا حب دائم يصعب التخلص منه لأنه حب الروح للروح ولا ينتهي حتى بعد خروج الروح.
ويوجد الحب المكتسب الصادق النادر فصاحبه يحبك لأنه يقدرك ويحترمك بغض النظر عن منفعته منك، وهو حب دائم في الدنيا وملازم لك في الآخرة، وحب الزوجين من أسمى أنواع الحب المكتسب والإخلاص فيه من علامات الصدق والإيمان ورضا الله.
أما أسمى درجات الحب فهو الحب في الله، وهو حب يقودك مع صاحبك وحبيبك إلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول يوم القيامة أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) أخرجه مسلم، ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته (أي طريقه) ملكا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحبه في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله أحبك، كما أحببته فيه(رواه مسلم) فاختر لنفسك أي أنواع الحب تحب.

ثانيا: يضع سِرّه في أضعف خلقه:
في المنهاج الداروني التطوري لا مكان للضعيف، والبقاء للأقوى بشريعة الغاب والناب، أما في المنهاج الإنساني الرباني فللضعيف كل رعاية واهتمام على الأقوياء والأغنياء والقادرين والمتنفذين، ونبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يقول: (ابغوني ضعفاءكم (أي اطلبوا لي وأعينوني على طلبهم)، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم) أخرجه أحمد والترمذي وغيرهم، (والساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر) أخرجه البخاري ومسلم، وفي هذا تفضل لحماية الضعفاء وإعانتهم على الحياة.
وعن جابر رضي الله عنه قال: لما رجعت مهاجرة الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا تحدثوني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ قال فتية منهم: يا رسول الله بينما نحن جلوس مرت علينا عجوز من عجائزهم، تحمل على رأسها قلة من ماء، فمرت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها على ركبتها فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت التفتت إليه ثم قالت: ستعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم أمري وأمرك عنده غدا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: صدقت ثم صدقت كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟) أخرجه ابن ماجة وابن حبان والبيهقي. وهكذا مكانة الضعيف في مجتمع الرحمة والإنسانية والإيمان بالله والعطف والحنان.

ثالثا: القطط السعيدة:
خلق الله سبحانه وتعالى الكائنات لغاية مقدرة وبحكمة بالغة، فلم يخلق الله سبحانه المخلوقات عبثا ولم يتركهم هملا، ومن المخلوقات المقدرة القطط (أو الهررة) فهي حيوانات أليفة لها دور مهم في نظافة البيئة وحمايتنا من انتشار الطاعون بالقضاء على الفئران، ولذلك قدس قدماء المصريين القط لأنهم لاحظوا أن الطاعون لا ينتشر في وجود القطط، وقد عني الإسلام عناية بالغة بالقطط، فقال صلى الله عليه وسلم: (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض) (أي هوامها وحشراتها)أخرجه البخاري ومسلم، وقد علم المسلمون أهمية الرأفة بالحيوان فأنشأ أحدهم وقفا لإطعام القطط في القاهرة، وظف فيه من يخدمهم ويقدم للقطط الطعام والشراب والمأوى وسموه وقف الهررة وهذا سبق إسلامي عظيم أهملناه مع إهمالنا لكثير من دعائم حضارتنا الإنسانية، وفي تركيا وقف للطير تأوي إليه الطيور المتأخرة عند عودتها إلى أوروبا، ومازالت بناني (جمع بنية أي أعشاش الطير) موجودة للآن.
حتى النمل حفظه الإسلام ففي رواية للبخاري ومسلم نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار، فأوحى الله إليه (فهلا نملة واحدة) والبغي غفر الله لها بسقايتها للكلب في يوم حار، وهكذا سعد الحيوان في منهاج الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وسعد الإنسان بحمايته للحياة الفطرية في الديار الإسلامية.

رابعا: السائق الضعيف!!
يظن بعض الركاب وسائقي السيارات أن الأولوية لهم في الطرق، ولكن الحقيقة أن الأولوية والعناية والرعاية كل الرعاية للمشاة والضعفاء، وقد سبقت الحضارة الإسلامية الحضارة الغربية في تنظيم حركة السير في الطريق وإعطاء كل مرتاد للطريق حقه، (فلقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين) رواه مسلم وفي رواية (مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال والله لأنحينّ هذا عن المسلمين، لا يؤذيهم فأدخل الجنة) أخرجه البخاري ومسلم، دخل الجنة لحمايته حق الناس في الحماية على الطريق، فما بالنا نرى أناسا يعتدون على حقوق الطريق، ويكسرون إشارات المرور الحمراء، ويقتلون الأبرياء ويحطمون الممتلكات؟!!
أزال الرجل الأذى عن الطريق فدخل الجنة فأين نجد منتهك حقوق الطريق في الآخرة؟!! فعن أبي برزة رضي الله عنه قال: قلت يا نبي الله علمني شيئا أنتفع به، قال: (اعزل الأذى عن طريق المسلمين) أخرجه مسلم، لم يقل له سبح وكبر واعتمر بل قال له اعزل الأذى عن الطريق، ومن حق الطريق (كف الأذى) جزء من حديث رواه البخاري ومسلم.
فإن أردنا السعادة في الدنيا والآخرة علينا بكف الأذى عن الطريق وعدم إلقاء القاذورات والنفايات فيه وصيانته وحمايته واحترام حقوق الناس وقواعد المرور فيه ومراعاة السائق الضعيف.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٧٩٧ – الجمعة ١ يناير ٢٠١٦ م، الموافق ٢١ ربيع الأول ١٤٣٧ هـ