أولا: إصلاح الحال وراحة البال:
يحتاج الإصلاح العام إلى قواعد كلية لإقراره والحفاظ عليه، فالإصلاح الجزئي لا يجدي لإصلاح حال الجميع، وقد دلنا الله سبحانه وتعالى على الإصلاح العام الشامل للجميع ولكل مناحي الحياة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) المائدة (1)، وهذه العقود تشمل العقد بين العبد وربه وبين العباد بعضهم ببعض.

وإذا امتثلنا لهذا الأمر فقط انصلحت حالنا جميعا وسعدنا في حياتنا الخاصة والعامة وفي الدنيا والآخرة.
فإذا وفَّى الزوج مع زوجه والزوج مع زوجها بعقد الزواج على سنة الله ورسوله انصلح حالهما وحال الأسرة واتقى كل زوج ربه مع شريك حياته.
وإذا وفَّى المعلم بالعقد بينه وبين الدولة لقام بواجبه التعليمي والتربوي على أكمل وجه وانصلح حال التعليم في بلادنا.
وإذا وفَّى الطبيب بقسمه وعقده لبذل أقصى جهده في علاج المرضى وراحتهم والحفاظ على أسرارهم وصحتهم.
وإذا وفَّى الموظف بعقد عمله لبذل جهده لإنجاز العمل وتيسير أحوال المراجعين.
وإذا وفَّى المواطن بعقده مع الدولة والمجتمع ما رأينا هذه المخالفات الأمنية والاجتماعية والمرورية والبيئية.
وإذا وفَّى الطالب بعقده مع المدرسة ما وجدنا إهمالا ولا شغبا ولا سلوكا جانحا بين المتعلمين.
وإذا وفَّى النائب بالعقد الذي انتخبه الناس على أساسه ما وجدنا مخالفات ومزايدات داخل وخارج مجلس النواب ومن النواب أنفسهم.
وإذا وفَّى الوزير والمدير والرئيس للعمل كل بعقده لانصلح حال الوزارة والإدارة والقسم وجميع مصالح الدولة.
وإذا وفَّى الحاكم بعقده مع المحكومين لأعطى كل ذي حق حقه وأمن الناس وساد العدل وانتشرت الرحمة بين العباد.
وإذا وفَّى الكاتب والمؤلف والمثقف بعقده مع الناس والدولة لانصلح حال الجميع وما وجدنا هذه المزايدات الثقافية والسياسية.
وهكذا كل إنسان إذا طبق القاعدة القرآنية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) المائدة (1) لانصلح حال الناس وساد الأمن والأمان وسعد الجميع.

ثانيا: استمتع بنعم الله:
الاستمتاع بنعم الله علينا فن ومهارة يفتقدها الكثير منا، فنحن دائما في خوف من المستقبل، وتحسر على الماضي وإهمال التمتع بالحاضر، فالصحيح في قلق دائم من المرض، والغني أصبح من خوف الفقر في فقر، والجميل يخاف من الشيب والكبر والتجاعيد وبذلك فات الماضي، وفقد الحاضر، وأظلم المستقبل.
إن فتشت في حياتك الحالية لوجدت نعم الله تغمرك من رأسك إلى أخمص قدميك، إن أردت أن ترى نعمة الصحة فعليك بزيارة المرضى، وإن أحببت روية نعمة المال وإن كان قليلا فعليك بالاطلاع على حياة المعدمين والفقراء والمساكين، قيّم نعم الله عليك، كم تساوي نعمة العقل والتفكير والإدراك؟! وكم تساوي نعمة التنفس بهدوء من دون أدوية أو موسعات للشعب الهوائية؟! وكم تساوي نعمة المشي والذهاب إلى قضاء الحاجة وحدك؟! وكم تساوي نعمة الإخراج من دون مسهلات أو عناء؟! وكم تساوي نعمة التحكم في البول، ونعمة الرؤية بعينيك، ونعمة الشم والإحساس، ونعمة الصلاة والركوع والسجود على الأرض التي حرم منها كثير من الناس؟! وكم تساوي نعمة صعودك على الدرج دون الحاجة للمساعدات ممن حولك؟! وكم تساوي نعمة الكلية والقولون والكبد والمفاصل والأسنان والأظافر والجلد الحسن؟! عدّد نعم الله عليك وأنت تسير من دون مساعدة في الطريق، وتقود السيارة، وتتحدث بلسانك، وتحب بقلبك، وتقص شعرك، وتقلم أظافرك، وتستذكر دروسك، وتستحم من دون مساعدة، وترتب ممتلكاتك الشخصية وتذهب إلى السوق والعمل والمدرسة، كل هذه نعم عليك أن تشكر الله عليها، ومن أول شكرها الاستمتاع بها في الحلال.

ثالثا: لذة العطاء:
ما الذي دفع الدكتور عبدالرحمن السميط الطبيب الكويتي ميسور الحال رحمه الله أن يترك النعيم وفرش الحرير ويذهب إلى مجاهل إفريقيا حيث الفقراء والمرضى والحشرات الخطيرة والعقارب السامة والثعابين، والحيوانات المفترسة، والطرق غير الممهدة، وأماكن النوم غير المريحة، ودرجات الحرارة المرتفعة والمياه الملوثة؟!
الذي دفع هذا الرجل هي المتعة التي يجدها، والسعادة التي تغمره وهو يعطي الآخرين من عمره وصحته وجهده وعلمه وماله وراحته وأعصابه، إنها سعادة تضاءلت أمامها النعم التي يرفل فيها في بلده، السعادة التي يراها في عيون وبسمات الأطفال والجياع والأيتام والأرامل والمرضى وهو يمد لهم يد العون لوجه الله تعالى.
إن للعطاء استمتاعا لا يذوقه ولا يعرفه إلا من ذاق نعمة العطاء لوجه الله الكريم، وكما قال تعالى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) الإنسان (9)، إنها السعادة التي يجدها المطعم لوجه الله كما قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) الإنسان (8)، وقال تعالى عنهم (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) الحشر (9).
كل هؤلاء سعداء ويستمتعون بالعطاء، المتعة التي لا يعرفها إلا من ذاقها ومارسها وعاش فيها، أما هؤلاء الذين تعودوا الأخذ دون عطاء فقد حرموا سعادة لا يعرفها إلا من أحبهم الله سبحانه وتعالى وذاقوا نعمة العطاء واستمتعوا بها.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٧٩٠ – الجمعة ٢٥ ديسمبر ٢٠١٥ م، الموافق ١٤ ربيع الأول ١٤٣٧ هـ