أولا: الضعف العام
من المصائب التي تبتلى بها الأمم والجماعات والأفراد انتشار الضعف العام الشامل للضعف البدني والنفسي والعصبي والخلقي والاجتماعي والحربي والاقتصادي والسياسي والعلمي والتربوي،

وعندما ينتشر ذلك تجد المفاسد في كل مناحي الحياة وتجد التخلف والقابلية للاستعباد، والتلذذ بالتبعية والبلادة والجبن والوهن، وعندما يشتد المرض تجد البغض والرفض للرافضين لهذه الحالة السيئة والمقاومين لها والداعين إلى الخروج منها والعاملين على نهضة الأمة ونظافتها وطهارتها كما قال الشواذ من قوم لوط (أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) الأعراف (82)، فالشواذ لا يطيقون رؤية الأسوياء الأطهار، من هنا كانت الحماية من الضعف العام واجبا على الجميع، لذلك قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإنّ لو تفتح عمل الشيطان) أخرجه مسلم.
والقوة العامة والخاصة تأتي من الحرص على النافع والمفيد والتمسك بالفرائض والدين والأخذ بنواميس الله في الكون، والعلم النافع، والبحث العلمي، والتعليم المتميز، والتعلم الفعال، والبعد عن طريق الشيطان المبعد عن تعمير البلاد وفق منهاج الرحمن، ومقاومة الفساد والاستبداد والاستغلال، والحرص على تقوية الأمة زراعيا وصناعيا وتجاريا وسياسيا وثقافيا وإعلاميا وتعليميا وحربيا ورياضيا وفنيا وبذلك نتغلب على الضعف العام.

ثانيا: فصام في الشخصية!!!
من السعادة الصدقُ مع النفس والبعدُ عن الرياء وما يؤدي إلى الفصام في الشخصية، لأنّ ذلك يؤدي إلى إصلاح البال وراحة النفس والاطمئنان في الحياة والصدق مع الله والناس، والوضوح في المجتمع وقبول الأعمال عند الله تعالى، لذلك جعل الله سبحانه وتعالى الأعمال بالنيات ولا يقبل الله من العبد إلا ما كان خالصا لله لا شرك فيه، وصوابا لا اعوجاج أو فساد أو بدعة فيه، فالأعمال تقاس عند الله عز وجل بمدى صفائها وخلوصها له لا بكثرتها وشهرتها، كما تقاس بمدى موافقتها للمنهاج الذي أنزله الله تعالى ورضيه لنا دينا قال تعالى: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبه فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالحاً وَلَا يشرك بِعِبَادَةِ رَبه أَحدا) الكهف (110).
فالأشقياء يعيشون بشخصيتين، شخصية أمام الناس، وأخرى بعيدا عنهم، وكل همّه إرضاء الناس والاستحواذ على مدحهم وإعجابهم وتكريمهم، والوصول إلى المناصب العليا والمكاسب الدنيوية فقط، فيجاهدون ليقال جاهدوا، وينفقون ليقال أنفقوا، ويحملون الشهادات الورقية ليقال تعلموا، إن أعطوا من الدنيا رضوا، وإن منعوا منها سخطوا، يحبون الصدارة في المجالس والظهور في الصور والمواكب ونسوا أن الله أغنى الشركاء عن الشرك ومن عمل عملا لا يبتغي به وجه الله وفيه رضاه رد عليه عمله ولا كرامة له عند الله. كفانا وإياكم شر هؤلاء وجعلنا من عباد الله المخلصين، قولوا آمين.

ثالثا: إن صنته صانك!!!
الصمت وقت الحاجة للكلام خيانة، والكلام وقت الحاجة للصمت إهانة، من هنا نرى مسؤولية الكلمة وأهميتها في الحياة، ومن النعم العظيمة المقدرة على الكلام، فكم من المصائب سكت الناس عنها فكانت النتيجة انتشار الفساد وشيوع المنكر ونزول غضب الله على الجميع.
ومن سعادة المرء التحكم في عباراته ووقت صمته وكلامه، ومن الحماقة ترك العنان للسان في كل زمان ومكان لذلك قال الناس: لسانك حصانك إن صنته صانك وإن أهنته أهانك، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم) رواه البخاري، فالعبد عندما يقول كلمة الحق في الموقف العابر ويظن أنه لم يفعل شيئا يرفعه الله بها درجات يوم القيامة، وعندما يستخدم لسانه في الأمر بالمعروف بالحكمة والموعظة الحسنة وبالضوابط الشرعية فإنه يدخل الجنة ويرفع الله درجاته جزاء حصاد لسانه. قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) رواه البخاري ومسلم، واعلم أخي الحبيب أن الصمت في بعض المواقف مهلك، فمن وقف موقفا يُظلم فيه ضعيفٌ وهو قادر على نصره فقد برأت منه ذمة الله، ولو طبقنا الهدي النبوي في أمانة الكلمة وحفظ اللسان لسارت الطمأنينة واختفت كثير من المشكلات الحياتية.

رابعا: الإصلاح البيئي!!
البيئة هي الوسط الذي نعيش فيه ونستمد منه مقومات الحياة، وقد خلق لنا الله سبحانه وتعالى البيئة الأرضية مهيأة للعيش فيها وأمدها بما تحتاج في تقدير واتزان عجيبين، وسلمها لنا صالحة طيعة مذللة، وطلب منا عدم الإفساد فيها فقال تعالى: (وَلاَ تفسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصلاحهَا) الأعراف(85)، وقال تعالى: (وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) القصص (77).
وإن اتبعنا أمر الخالق للأرض والمهيئ لها، والمقدر فيها أقواتها وما يصلح لمعايشنا ما ألقى أحد منا بالقمامة بعيدا عن الحاويات الخاصة بها، وما لوث الإنسان البيئة بالمخلفات الصناعية والطبية الخطرة، وما قطعت الغابات والأشجار، وما قتل الحيوان البري ولا لوثنا المياه بالمخلفات البشرية والصناعية، وما أسرفنا في المياه والطاقة، وما خالفنا قواعد البناء المعتمدة، وحافظنا على المياه والتربة والحيوان والنبات والكائنات الحية الدقيقة، وما أزعجنا الناس بالتلوث الضوضائي والخلقي وساعتها سنجد بيئتنا بيئة نظيفة جميلة صحية منتجة توفر كل عناصر السعادة لنا كل ذلك لطاعة ربنا القائل: (وَلاَ تفسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصلاحهَا) الأعراف (85).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٧٦٢ – الجمعة ٢٧ نوفمبر ٢٠١٥ م، الموافق ١٤ صفر ١٤٣٧ هـ