أولا: الجائزة الكبرى:
عندما تقام المسابقات فإنّ أسعد المتسابقين الذي يفوز بالجائزة الكبرى، وإذا كانت هذه الجائزة هي الحصول على أغلى مسكن في العالم، وأعلى خدمة، وأفضل جيران، وأجمل مكان، والوجبات جاهزة من أشهى المأكولات والخدمة الصحية وهي مجانية، والرصيد البنكي لا ينتهي، وكل ما تطلبه تجده، ستكون هذه هي الجائزة العظيمة وهذا هو الفوز الكبير.

هذا ما ينتظر السعداء من بني البشر، وقد وثقت هذه الشروط في أصدق كتاب، وبضمان رب العباد وشهادة خيرهم وبحضور الصفوة من بني البشر، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا* خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) الكهف (107-108)، فمن آمن بالله تعالى ربا لكل شيء ومليكه ومعبودا لا يشرك في عبادته أحدا، سواء كان صالحا أو طالحا، حيوانا أو نباتا، حيا أو ميتا، ويدخل في ذلك الشرك الخفي أي الرياء فكان توحيده خالصا لله سبحانه ولم يكتف بالإيمان القلبي والاعتقاد النظري، بل كان لإيمانه هذا دليل عملي سلوكي من الأعمال الصالحة من صلاة وصيام ودعاء وغير ذلك، ومن الزراعة والصناعة والتجارة والتربية والتعليم والتعمير والتفكير والإبداع والإصلاح في البيئة الأرضية والأخلاق الحميدة والنية الخالصة لله تعالى والصواب في العمل على منهاج شرعي وعلمي صحيح، فمن فعل ذلك فاز بالجائزة الكبرى فالجنة منزله وهي أعز مطلوب فلا يبغون عنها تحويلا. والجنة درجات، كل درجة منها تعادل ما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها ومن فوقها العرش ومنه تتفجر أنهار الجنة (فمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) آل عمران (185)، وذلك الفوز الكبير والفوز العظيم والجائرة الكبرى من رب العالمين.

ثانيا: التأمين ضد الخسران:
يحتاج الإنسان إلى الأمن والأمان والتأمين الشامل ضد الخسران، ليعيش آمنا في سربه معافى في بدنه مطمئنا على أهله وماله وعرضه.
وقد دلنا الله سبحانه وتعالى على طريق التأمين الشامل ضد الخسران فقال تعالى: (وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) العصر (1-3)، فالجميع خاسر في الدنيا وفي الآخرة إلا من أمن على حياته ضد الخسران، ويتحقق هذا التأمين بتحقيق الشروط الإلهية وأولها الإيمان بالله تعالى وحده ربا خالقا مقدرا منعما ومعبودا لا شريك له في العبادة بمعناها الشامل للأقوال والأعمال والنوايا، وهذا الايمان يتطلب عمل الصالحات بالمعنى الشامل للعمل الصالح الذي يغطي كل مناشط الحياة من زراعة وصناعة وتجارة وتربية وتعليم وبناء وتعمير وإبداع وإصلاح في البيئة الأرضية والبعد عن الإفساد فيها، والفساد والغش والتدليس والرشوة والمحسوبية وأكل أموال الناس بالباطل، وظلم العباد، تلك الفرائض الغائبة عن العمل الصالح في حياة المسلمين، ويشترط هذا الايمان التواصي بالحق والاعانة على تحقيقه في حياة الناس ليكون القوي ضعيفا فيؤخذ حق الضعيف منه، والضعيف قويا يأخذ حقه ممن ظلمه، فيعيش الجميع في أمن وأمان شامل في ظل تحقيق ذلك للقوي والضعيف، والحاكم والمحكوم، والغني والفقير، والرجل والمرأة، والمسلم وغير المسلم، والعربي والعجمي، والأبيض والأسود، والصغير والكبير، فالتأمين الإلهي يغطي الجميع، ويتحقق هذا بالصبر، الصبر على عدم الإفساد في الأرض، والصبر على إعطاء الحقوق لأصحابها، والصبر على تعمير الكون وفق منهاج الله، وهذا هو التأمين الشامل ضد الخسران المبين الذي فقدته البشرية عندما ابتعدت عن منهاج رب البرية.

ثالثا: التأمين على الذرية:
اهتمت الشركات بالتأمين على المباني والمحلات والسيارات وعلى الحياة بعد الممات، ولم تهتم بالأولاد من البنين والبنات، لذلك يخاف الآباء على أولادهم الصغار الضعاف بعد رحيلهم من الحياة، ويجتهدون في ترك الأموال والعقارات لهم، ومع ذلك يخافون من تبديد هذه الممتلكات من جانب الأقارب، أو من جانب الأولاد لعدم درايتهم بالتصرف السليم في الممتلكات، ولذلك عني الإسلام عناية بالغة بالتأمين على الأولاد، ووضعت الشروط لهذا التأمين ووثقت في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكفل الله حماية الأولاد بقوته التي لا تقهر، وقدرته الدائمة، فقال تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا) النساء (9).
فإن أردت تأمينا شاملا ومضمونا ونافذا على أولادك الضعاف بعد رحيلك من الحياة الفانية عليك أن تنفذ شروط العقد الإلهي لهذا التأمين وهو القول السديد في حياتك لأولاد الناس الضعاف وفي كل شيء في الحياة، والقول السديد هو القول الموافق للحق والحقيقة والعدل، فلا تظلم أولاد الناس اليتامى والضعاف واحمهم حال ضعفهم يحم الله أولادك حال تركك لهم وضعفهم، فافعل مع الضعفاء ما تحب أن يفعله الناس مع أولادك بعد مماتك، وإن فعلت ذلك فقد أمنت على أولادك التأمين الشامل في شركة التأمين الإلهية عند من لا يخلف الميعاد والقادر على حماية العباد، كل العباد.

رابعا: العدل مع الأعداء:
العدل هو السلوك الحضاري للإنسان، فبه تحفظ الحقوق، وتهدأ النفوس، وتحقن الدماء، ويأمن الانسان في الحياة، وعندما يغيب العدل ينتشر القلق والخوف والانتقام والشحناء والبغضاء، وتسودّ الحياة في عيون المظلومين، ويخاف الظالم من الانتقام، وينتشر الثأر، ويضيع الأمن الخاص والعام.
لذلك كان العدل حتى مع الأعداء من الثوابت والمطالب الإلهية، فقال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) المائدة (8).
أي لا يمنعنكم بغض قوم على ألا تعدلوا معهم، اعدلوا معهم فهذا من التقوى وخشية الله سبحانه وتعالى، وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) النحل (90)، قال المفسرون هذه أدل آية على الخير في القرآن الكريم.
وحرم الله تعالى الظلم على نفسه وحرمه بين عباده فقال في الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) حديث صحيح، فالظلم ظلمات يوم القيامة والعدل نور وهداية، فعلى العبد العدل بين أولاده، والعدل بين أحبابه، والعدل مع أعدائه ومع عباد الله جميعا.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٧٤٨ – الجمعة ١٣ نوفمبر ٢٠١٥ م، الموافق ٣٠ محرم ١٤٣٧ هـ