أولا: طريق السعادة:
ـ كلنا نبحث عن السعادة، منا من عرف طريقها وسار فيه فسعد وعاش حياة طيبة رغم ما فيها من مشكلات ومصاعب، والكثير منا ضل الطريق فضاعت منه فرص السعادة.

ـ وقد دلنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على الطريق الموصل للسعادة ومن هديه المؤدي إلى ذلك: «اغتنم خمسا قبل خمس: صحتك قبل مرضك، وشبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» إنها مفاتيح السعادة حقا فالحياة بصحة كاملة تحقق السعادة البدنية والنفسية والاجتماعية، حيث تتمتع بما وهبك الله سبحانه وتعالى من أعضاء وأنسجة وعمليات حيوية، وشبابك قبل هرمك وعجزك حيث القوة والقدرة على التعليم والتعلم، والإنتاج والتخطيط والبناء وتحقيق الأماني والتمتع بها أطول وقت من حياتك، وفي وقت فراغك تستطيع التفكير بهدوء وروية والتخطيط لحياتك وحياة من تعول بعد ذلك والوصول إلى غاياتك الطيبة والسعيدة بعيدا عن المحاولة والخطأ، وحياتك قبل موتك، فالحياة الدنيا هي رأس مالك وفرصتك الذهبية للعمل وتعمير الكون بنواميس الله في الخلق،, وتحصيل الحسنات فمن زرع في الدنيا حصد في الآخرة وحصل على النعيم المقيم والدائم والحقيقي في الدار الباقية، فمن أراد أن يعيش سعيدا عليه اتباع هذا الهدي النبوي الذي يجعل الإنسان يحقق أهدافه في أمن وأمان ويتمتع بحياته ويحقق السعادة.
وخلاف ذلك فالمحاولة والخطأ، والضياع والحيرة، والبناء والهدم في دوامة لا تنتهي وتضيع فرصتك الذهبية في الحياة الدنيا والآخرة.

ثانيا: الزم المسار الصحيح:
كل منا ينشد النجاة في الدنيا والآخرة، ونستعيذ بالله من الهلاك، وقد بين لنا عبدالله بن المبارك -رحمه الله- الطريق إلى النجاة، فقال: «كن عالما أو متعلما أو مستمعاً أو محبا ولا تكن الخامس فتهلك»، والخامس هو الجاهل الذي لا يستمع إلى العلم والعلماء ولا يتعلم منهم، ولا يحب العلم والساعين لتحصيله ويحتقرهم ويهزأ بهم وبعلمهم ويستخف بسعيهم نحو التعليم والتعلم.
ـ فالعالم هو المعلم الذي يخشى الله بعلمه وينشره ويطبقه، وليس بحامل شهادة ورقية ولقب علمي مغشوش أو مشترى أو مزور أو لا يعمل بمقتضاه في الحياة.
ـ والمتعلم هو المهتم بتحصيل العلم النافع، المقدر للعلم والعلماء، ويحترم أساتذته ومن يتعلم العلم منهم ودائما يدعو لهم.
ـ والمستمع للعلم هو الذي يبذل جهده ليكون متعلما أو عالما.
ـ والمحب هو الذي يحب العلم والعلماء والمعلمين والمتعلمين والمستمعين للعلم، فكن أحد هؤلاء تنجو في الدنيا والآخرة ويحبك الله ورسوله ويقدرك من يقدرون العلم والعلماء.
ـ ليس العلم بالألقاب العلمية والشهادات الورقية وتخزين الكتب، ولكن العلم بالتعلم والبحث في مصادر التعليم والتعلم ونشر العلم النافع لخلق الله.

ثالثا: الطريق الدولي الوحيد:
في رحلة السعادة الكل يبحث عن الطريق الدولي، فالطرق كثيرة كلها لأتوصل إلى السعادة إلا طريقا واحدا، في بداية الرحلة لافته تحذيرية واضحة ومضيئة «وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» الأنعام (153)
الكل يقف عند مفترق الطرق، الكل يسأل، الكل تائه، الكل حيران، يرفع العقلاء منهم أيديهم وأصواتهم لصاحب الطريق قبل الولوج فيه: (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)، أي أرشدنا، ووفقنا، ودلنا على الطريق الوحيد، وهو الطريق الواضح لا اعوجاج فيه ولا مخاطر فيه أقصر الطرق للسعادة وأوسعها وعلى جانبيه سوران للحماية فيهما أبواب مفتَّحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: «يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا، وداعيان يدعوان من فوق الطريق، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب (الخطرة) ناداه: لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه وتتوه، وتوجد لوحة إرشادية تقول: الصراط الدولي: أي الإسلام، والسوران: (أي حدود الله) والأبواب المفتحة محارم الله، والداعي على رأس الصراط كتاب الله, والداعي من فوق (واعظ الله في قلب كل مسلم)» (زبدة التفسير، محمد الأشقر).
وهذا الصراط مكتوب عليه ومعرف بأنه (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ) (مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا) النساء (69)، هؤلاء هم رفقاء الطريق المسافرون عليه إلى: (جنة عرضها السنوات والأرض أعدت للمتقين)، إنه الطريق الدولي العالمي الوحيد الموصل إلى السعادة في الحياة الدنيا والحياة الباقية من اهتدى إليه هُدي، ومن ضل عنه ضل وسار والعياذ بالله في طريق المغضوب عليهم والضالين. فاللهم اهدنا الصراط المستقيم يا رب العالمين.

رابعا: السرعة الفائقة
لكل طريق سرعته القصوى من تخطاها عوقب أو هلك إلا هذا الطريق الفريد والوحيد في العالم كلما أسرعت نجوت وفزت بالجائزة الكبرى، اللوحات الإرشادية على هذا الطريق تتصدرها لوحة كبرى كتب عليها (وَسَارِعُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران (133). إنه التحفيز في بداية الطريق وشروط الاستمرار إلى نهاية الطريق: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران (134)، وإذا تعطلت سيارتك أو حدث لك مكروه (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أو ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ) آل عمران (135) فعلاجهم في مركز الإسعاف على الطريق (ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) آل عمران (135).
والجائزة الكبرى لمن يجتاز هذا الطريق بالسرعة الفائقة (أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) آل عمران (136).
إنه النداء العجيب للمسابقة الكبرى على الصراط المستقيم الموصل إلى جنة الخلد والنعيم في بلاد الأفراح والسعادة التي لا تدانيها سعادة، جنة أعدت للمتقين، العاملين المصلحين المتعلمين الموحدين والمتوكلين على رب العالمين.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٧٤١ – الجمعة ٦ نوفمبر ٢٠١٥ م، الموافق ٢٣ محرم ١٤٣٧ هـ