سمعنا وقرأنا عن التجار المسلمين الذين فتحوا البلاد بصدقهم وأمانتهم في معاملاتهم، وفي الموقف التالي أسلم أبو جبريل لأمانة أم جبريل في معاملتها البنكية.

الموقف:

قال الفتى -إيطالي الأصل- كان أبي يعمل مديرًا لأحد البنوك في إيطاليا وفي يوم من الأيام صرف مبلغًا بطريق الخطأ يساوي ألفًا وخمسمائة دينار كويتي لامرأة مسلمة ترتدي الحجاب والنقاب من أصول صومالية تستوطن إيطاليا، أخذت المرأة المال وانصرفت، وعند وصولها إلى المنزل فوجئت بزيادة المبلغ، فعزمت على ردّه في الغد، وبات والدي في همّ وغمّ طوال ليلته، ومن الغد جاءت المرأة لردّ المال الزائد، ففرح والدي (المدير) لقدومها وردها هذا المال وعجب لخلقها غاية الإعجاب، وسألها عن سبب ردّها المال، فقالت: هذا المال ليس حقًا لي؛ لأن شريعتنا الإسلامية تمنعنا أن نأخذ مال الغير إلا بإذن أهله، فهذا مال محرم عليَّ، قال الفتى: عندها قال أبي المدير وكان على دين النصرانية: هذا دين عظيم الذي يحملك على حفظ مال الغير، وشكرها لهذا الخلق الكريم، وطلب منها تزويده بكتب تُعرفه بالدين الإسلامي، فأسلم والدي بعد يوم واحد وتزوج من المرأة المسلمة الأمينة، وهي أمي الآن التي أحدثكم عنها.

قال الفتى: عزم أبي على نقل أمي إلى البلاد العربية إذا رُزق بولد حتى ينشأ في بيئة الصحابة (رضوان الله عليهم) التي قرأ عنها في الكتب، وبعد أن وُلدْتُ سمّاني أبي (جبريل)، ثم نقلنا إلى مكان آمن في إحدى البلاد العربية حتى لا نتلوث بالعقائد الباطلة، والمشاهد والسلوكيات السيئة في إيطاليا. ونشأ جبريل في بيئة مسلمة وتعلم اللغة العربية، وحفظ من القرآن ثلاثة عشر جزءًا بحمد الله تعالى.

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (2001م) ضغطت أمريكا على الأنظمة العربية، بضرورة إخراج الغربيين من بعض البلاد، وبالأخص من أسلم منهم، فتكدر أبي لهذا القرار، وعزم قبل العودة إلى إيطاليا أن يزور ثلاث دول عربية، دولة الكويت، ثم إمارة الشارقة، ثم مكة المكرمة والمدينة المنورة، ويقدر الله أن نصل إلى الكويت أولاً، ونستقر فيها بمساعدة أهل الخير، فعندما دخلنا الكويت أخذنا (فلان) – بارك الله فيه- إلى ديوانيته العامرة بالإخوة الفضلاء، وندب الحضور إلى ضرورة مساعدتنا، وكنت أسمع حديثهم، وأبي جالس إلى جانبي لا يفهم ما يقول الحضور، لأنه لا يحسن العربية إلا إذا شرحت له، ومن سرورنا وسعادتنا أن تكفل بعضهم بالإقامة لنا، وآخر بالراتب، وثالث بأثاث الشقة، ورابع بأجرتها، وبعد أن خرجنا من الديوانية وشرحت لأبي ما دار من الحدث فرح فرحًا شديدًا، وحمد الله سبحانه، وقال: سبحان الله كنت مهمومًا مغمومًا، فأبدلني الله سبحانه فرحًا وسعة، وتذكرت مناقب الأنصار مع المهاجرين كيف فتحوا لهم القلوب والبيوت، وشاركوهم في الأموال والتجارة، فأنتم كذلك يا أهل الكويت، وقفتم معنا موقفا مشرفُا زادكم الله فضلاً.

قال الابن جبريل: هذه قصة إسلام أبي والحمد لله على نعمة الإسلام (نقلاً عن موسوعة الأخلاق، خالد بن جمعة بن عثمان الخراز، مكتبة أهل الأثر – الكويت( ط1)، (ص: 39) (2009م).

العبر:

قال المؤلف للمرجع السابق (ص: 41): هل تأملتم سبب إسلام هذا الرجل الإيطالي، إنه خلق نبيل من هذه المرأة الصومالية المسلمة، فلو أن كل مسلم ومسلمة امتثلوا آداب الإسلام بحق، وتخلقوا بقيمه، لكان الحال غير الحال. وهذه قضية مهمة جدًّا وهي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بوجوب التحلي بالعمل بعد العلم، فإن أهم ما يميز الإنسان المسلم صورة تعامله مع الله، ومع إخوته في الدين، ومع غيرهم، وهذه الصورة هي أول منظر يُرى به المسلم مع الله سبحانه وتعالى، ومن محيطه، فإن أحسن، أرضى ربه، ورضي عن نفسه وأعطى صورة رائعة للآخرين عن هذا الدين وعن معتقده، فكأنه دعا بلسان الحال وليس بلسان المقال إلى دينه دعوة أبلغ إلى القلب والعقل معًا وأوصل.

فالاستقامة على الأخلاق الحميدة لها أثر كبير، ونفعها بليغ، ولا أدل على ذلك مما جاء في السيرة النبوية من أن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم كانت محل إعجاب المشركين قبل البعثة حتى شهدوا له بالصدق والأمانة.

وقد بدأ انعكاس الصورة السلوكية الرائعة في تأثيرها في انتشار الإسلام في بعض المناطق التي لم يصلها الفتح الإسلامي أن دخل هذا الدين الحنيف شعوب بكاملها لما رأوا القدوة الحسنة مرتسمة خُلقًا حميدًا في أشخاص مسلمين صالحين، مارسوا سلوكهم الرشيد، فكانوا كحامل مصباح ينير طريقه لنفسه بمصباح، فيرى الآخرون ذلك النور ويرون به، وليس أجمل منه في قلب الظلام.

ويذكر أن قتيبة بن مسلم الباهلي عندما فتح سمرقند احتج عليه أهلها وشكوا ظلمًا أصابهم وتحاملاً من قتبية (القائد المسلم) عليهم، وأرسلوا إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه فقضى بخروج قتيبة وجنوده إلى معسكرهم، وينابذونهم على سواء، فيكون صلحًا جديدًا أو ظفرًا عنوة.

فقال أهل الرأي من أهل سمرقند: بل نرضى بما كان، ولا نجد حربًا، وتراضوا بذلك، وقالوا: لقد خالطنا هؤلاء القوم وأقمنا معهم، وأمنونا وأمناهم، فتركوا الأمر ولم يتنازعوا. (المرجع السابق ص: 43).

وقال خالد الخراز في المرجع السابق: وذلك أنهم شاهدوا صدق المعاملة، والعفة والأمانة والمعروف والعدل، فحملهم على النطق بعودتهم إليهم (انتهى).

وهكذا فتح المسلمون قلوب الناس بعد فتح ديارهم بحسن خلقهم ومعاملتهم للعباد.

المرجع: موسوعة الأخلاق، خالد بن جمعة بن عثمان الخراز، مكتبة أهل الأثر – الكويت (ص: 39) (2009م).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٤٧٥ – الجمعة ١٣ فبراير ٢٠١٥ م، الموافق ٢٤ ربيع الثاني ١٤٣٦ هـ