الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ورضي الله عنه رجل أحبه المسلمون حبًا جمًّا، يحملون له في نفوسهم الحب الكبير، فبطولاته في الإسلام عديدة ومواقفه المشرفة مديدة أعطاه المصطفى صلى الله عليه وسلم شهادة عظيمة يوم فتح خيبر كان الجميع يرجونها ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصه بها.

الموقف:

أخرج الإمام البخاري من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية غدًا رجلاً يفتح الله على يديه، يحبُّ الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.

قال: فبات الناس يدوكون (يخوضون في الحديث عن صاحب الراية) ليلتهم: أيهم يُعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: أين عليٌّ بن أبي طالب ؟ فقيل، هو يا رسول الله يشتكي عينه.

قال: فأرسلوا إليه، فأُتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، قال: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال: أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير من أن يكون لك حُمر النعم. (صحيح البخاري في المغازي).

وأخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، وذكر نحوه، وفي رواية أخرى من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه في حديث طويل جاء في آخره خبر خيبر وفيه: ثم أرسلني – يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم – إلى علي وهو أرمد، فقال: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فقال: فأتيت عليًا فجئت به أقوده وهو أرمد، حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في عينه فبرأ، وأعطاه الراية، وخرج مرحب (اليهودي) فقال:

قد علمت خيبر أني مَرْحب

شاكي السلاح بطل مجرَّب

إذا الحروب أقبلت تلهَّب

فقال علي:

أنا الذي سَّمتني أمي حيدرة

كَلَيث غابات كريه المنْظرَهْ

أوفيهم بالصاع كيل السندَرة

وحيدرة: اسم للأسد، والسندرة مكيال واسع، والمعنى أقتل الأعداء قتلاً ذريعًا (كما قال الدكتور عبدالعزيز الحميدي في التاريخ الإسلامي مواقف وعبر (مرجع سابق ج7، ص: 37).

وقال: فقال: فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه (صحيح مسلم – الجهاد).

العبر:

قال الدكتور الحميدي (في مرجع سابق):

فهذا الخبر يشهد للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالفضل الكبير، وذلك من جهة شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وهذا شرف كبير للإمام علي رضي الله عنه، مما جعل كل واحد من الصحابة (رضي الله عنهم) يرجو أن يكون صاحب هذا الشرف العالي، وذلك لقوة شعورهم بالهدف الأعلى للإسلام وهو بلوغ رضوان الله تعالى والسعادة الأخروية.

وقال: كما أن في هذا الخبر فضلاً كبيرًا من جهة ما امتاز به الإمام علي رضي الله عنه من الشجاعة النادرة والتمتع باقتحام الأهوال فقد كان مرحب اليهودي أشجع اليهود وكان يخيف مبارزيه، ولكن عليًا رضي الله عنه لم يبال به وهجم عليه بقوة وإقدام حتى جندله قرب حصنه، ثم ثبت ومن معه (من الصحابة رضي الله عنهم) ثبات الأبطال حتى فتح الله (سبحانه وتعالى) لهم ذلك الحصن (حصن خيبر) الذي يعتبر من أمنع حصون خيبر، وهو حصن ناعم كما ذكر الواقدي في روايته (مغازي الواقدي 2652)، (عن المرجع السابق).

وقال: وروى عن شيوخه قالوا: وبرز أسير، وكان رجلاً أيَّدا (أي قويًا)، وكان إلى القصر، فجعل يصيح، من يبارز؟ فبرز له محمد بن مسلمة رضي الله عنه، فاختلفا ضربات، ثم قتله محمد بن مسلمة، ثم برز ياسر وكان من أشدائهم، وكانت معه حربة يحوش بها المسلمين حوشًا، فبرز له عليُّ عليه السلام ورضي الله عنه. فقال الزبير: أقسمت عليك إلا خليت بيني وبينه، ففعل علي وأقبل ياسر بحربته يسوق بها الناس، فبرز له الزبير، فقالت صفية: يا رسول الله واحزني!، ابني يقتل يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: بل ابنك يقتله، قال: فاقتتلا، فقتله الزبير رضي الله عنه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فداك عمُّ وخالُ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكل نبي حواريُّ وحواريَّ الزبير وابن عمتي.

فلما قُتل مرحب وياسر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشروا، قد ترحبت خيبر وتيسرت، وبرز عامر (اليهودي)، وكان رجلاً طويلاً جسيمًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلع عامر: أترونه خمسة أذرع؟ وهو يدعو إلى البراز، يَخطر بسيفه وعليه درعان، مقنع في الحديد يَصيح: من يبارز؟ فأحجم الناس عنه، فبرز إليه عليُّ عليه السلام، فضربه ضربات، كل ذلك لا يصنع شيئًا، (من الدروع) حتى ضرب ساقيه فبرك ثم ذفَّف عليه (أجهز عليه) فأخذ سلاحه (مغازي الواقدي 2657) عن المرجع السابق.

وقال الدكتور الحميدي: وكل هؤلاء كانوا من شجعان اليهود الكبار، وهذا يبين تفوق الصحابة أبطال المسلمين الأوائل على غيرهم بكثير، وذلك لسمو الهدف الذي ينشدونه وهو الشهادة في سبيل الله وعلو همتهم وعظمة المثوبة المترتبة على ذلك وهي الظفر بالدرجات العلا في الجنة.

أما الكفار والمرجفون والمأجورون والجعجاعيون فأي شيء يطلبونه من تقديم أرواحهم، إن الهدف الذي ينشدونه هو الشهرة والمجد الدنيوي، وهذا سيفوتهم إذا قُتلوا، ولهذا فإن أكثر طاقاتهم مصروفة للدفاع عن أنفسهم، بينما تكون جميع طاقة المسلم مصروفة للهجوم على الخصم (انتهى) (المرجع السابق).

وهنا يبرز سؤال. لماذا انقلبت الموازين مع المسلمين وهؤلاء هذه الأيام؟

نقول: انقلبت الموازين لأننا ننتصر عليهم بطاعتنا لله ومعصيتهم إياه كما قال الفاروق رضي الله عنه، فإذا تساوينا في المعصية كان له الغلبة علينا بالعدد والعدة. كما أن ورود هذه المواقف عن الإمام علي بن أبي طالب في أصح كتب أهل السنة والجماعة تبين حبهم للإمام علي رضي الله عنه وتذب عنهم ما يتردد من عدم حبهم للإمام علي وأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين أسباط رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام الطاهرين المطهرين.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٤٨٢ – الجمعة ٢٠ فبراير ٢٠١٥ م، الموافق ١ جمادى الأولى ١٤٣٦ هـ