كلما قرأت عن المرأة في الإسلام وجدتها ملكة والرجال عندها خدم؛ الرجل مع زوجته، والأب مع ابنته، والأخ مع أخته، والعم مع ابنة أخيه، والخال مع ابنة أخته، والمجتمع المسلم مع المرأة، وهذا يناقض سلوك غير المسلمين أو الجاهلين من المسلمين الذين أهانوا المرأة باسم حريتها فجعلوها راقصة عارية تتلوى بجسدها ليتلذذ بها الرجال وجعلوا منها بطلة رياضية ترتدي العاري أمام الكاميرات في المسابقات الدولية، وجعلوا منها ترفيها للجنود في الجيوش المقاتلة، وأقنعوها أن هذه هي الحرية للمرأة.

 

والموقف التالي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجته يبين مدى تكريم المرأة في الإسلام وعند نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام.

الموقف:

قال الواقدي: حدثني ابن أبي سَبْرة، عن أبي حرملة، عن أخته أم عبدالله، عن ابنة أبي القَين المزني، قالت: كنت آلف صفية من بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تحدثني عن قومها وما كانت تسمع منهم.

قالت (أي صفية): خرجنا من المدينة حيث أجلانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقمنا بخيبر، فتزوجني كنانة بن أبي الحُقَيق فأعرس بي قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيام، وذبح جَزُورًا ودعا باليهود، وحولني في حصنه بِسْلالم، فرأيت في النوم كأن قمرًا أقبل من يثرب يسير حتى وقع في حِجري. فذكرت ذلك لكنانة زوجي فلطم عيني فاخضرّت، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلتُ عليه فسألني فأخبرته.

قالت: وجعلت اليهود ذراريها في الكتيبة، وجردوا حصن النَّطاة للمقاتلة، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وافتتح حصن النَّطاة، ودخل علي كنانة ُ فقال: قد فرغ محمد من النَّطاة، وليس ها هنا أحدٌ يُقاتل، قد قُتلت اليهود حيث قُتل أهل النَّطاة وكذبتنا العربُ، فحولني إلى حصن النَّزار بالشَّق – قال: وهو أحصنُ مما عندنا – فخرج حتى أدخلني وابنة عمّي ونسيَّات معنا، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا قبل الكتيبة فسُبيت في النزار قبل أن ينتهي النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكتيبة، فأرسل بي إلى رَحْله، ثم جاءنا حين أمسى فدعاني، فجئت وأنا مقنَّعة حَيِيَّة، فجلست بين يديه فقال: إن أقمت على دينك لم أُكرهك، وإن اخترت الله ورسوله فهو خير لك.

قالت: أختار الله ورسوله والإسلام.

فأعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجني وجعل عتقي مهري، فلما أراد أن يخرج إلى المدينة قال أصحابه: اليوم نعلم أزوجة أم سُرَّيةٌ، فإن كانت امرأته فسيحجبها وإلا فهي سُرَّيَّة، فلما خرج أمر بستر فسترت به فعُرف أني زوجته، ثم قدم البعير وقدَّم فخذه لأضع رجلي عليها فأعظمتُ ذلك ووضعت رُكبتي على فخذه ثم ركبت.

قالت صفية: وكنت ألقى من أزواجه، يفخرن عليّ يقلن: يا بنت اليهودي، وكنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَلْطُف بي ويكرمني، فدخل عليَّ يومًا وأنا أبكي فقال: ما لك؟ فقلتُ: أزواجك يفخرن عليَّ ويقلن: يا بنت اليهودي، قالت: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غضب، ثم قال: إذا قالوا لك أو فاخروك فقولي: أبي هارون وعميَّ موسى.

العبرة من الموقف:

قال الدكتور عبدالعزيز الحميدي في التاريخ الإسلامي مواقف وعبر:

وفي هذا الخبر مثل عظيم من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قدم فخذه (الشريفة) لتطأ عليها صفية (زوجته) حينما أرادت أن تركب البعير. إن هذا التواضع (والاحترام للمرأة) الكبير ليُخضع العقلاء لاحترام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكباره والإعجاب بعظمته (وتواضعه واحترامه للزوجة).

إن تواضع العظماء للمستذلين يعتبر دليلاً على عظمتهم لأنهم لا يرجون من هؤلاء الضعفاء أي مطمع دنيوي من مال أو جاه، لكن التواضع للجبارين المستكبرين علامة ضعف واستجداء ما لم يكن هناك ملمح دعوي خاص.

إننا حينما نقارن سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم الجميل العالي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ما جرى على صفية من زوجها (اليهودي) ابن أبي الحقيق الذي كان زعيم قومه (عندما ضربها للرؤيا) نجد فرقًا شاسعًا بين أخلاق الإسلام السامية التي مثَّلها لنا سيد البشر صلى الله عليه وسلم وبين أخلاق الجاهلية التي مثَّلها كنانة بن أبي الحقيق اليهودي.

ولقد كانت أم المؤمنين صفية بنت حيي كبيرة القدر عظيمة الأخلاق حينما أعظمت هذا الأمر وأبت أن تضع قدمها على فخذ (زوجها) النبي صلى الله عليه وسلم.

وسلوك النبي صلى الله عليه وسلم أنموذج من احترام الإسلام ونبي الإسلام للمرأة ورفع شأنها وتقديرها (المرجع سابق).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٤٨٩ – الجمعة ٢٧ فبراير ٢٠١٥ م، الموافق ٨ جمادى الأولى ١٤٣٦ هـ