بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح
الإسلام دين الماضي.. والإسلام دين الحاضر.. والإسلام دين المستقبل، ما اجتمعت هذه الأزمنة في دين كما اجتمعت في دين الإسلام، فهو دين الماضي من آدم إلى محمد (عليهم الصلاة والسلام).. وهو دين الحاضر حيث تدين به أمة تعدادها يفوق المليار ونصف المليار، وهي في زيادة مستمرة، بحسب ما أقره علماء الغرب ومفكروه.. والإسلام دين المستقبل، وهذا بناء على شهادات من علماء ومفكرين غربيين وشرقيين.
أما الإسلام في الماضي، فهو عقيدة جميع الأنبياء وأممهم، أما الإسلام في الحاضر وفي المستقبل فهو دين العقيدة والشريعة؛ لأن الإسلام بعد بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) صار اسما علما على الرسالة التي نزلت على رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم).
وحديثنا اليوم لن يكون عن الإسلام في الزمن الماضي، فهذا تكفلت به ملايين الكتب والمؤلفات التي تحدثت عن الإسلام بمعناه الخاص والعام، ولن يكون حديثنا عن الإسلام في الزمن الحاضر لأن الناس يعايشونه ويعاصرونه لكونه دين أمة يبلغ تعدادها ما يزيد على المليار ونصف المليار نسمة.
حديثنا عن الإسلام سوف نقتصره على الإسلام في المستقبل.. صحيح أن المستقبل، ومصير الإسلام فيه بيد الله تعالى، لكن هناك إشارات وبراهين تحدثنا عن مصير الإسلام في المستقبل تؤكد لنا أن المستقبل للإسلام في غده المأمول، والبراهين التي تدل على ذلك وتؤيده سوف نوردها هنا ونأخذها من القرآن الكريم أعظم كتاب، وأوثق مصدر وأصحه، كتاب زكاه من أنزله سبحانه بقوله تعالى: «إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون». (الحجر-9).
مستقبل الإسلام نجده في كتاب: «لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد». (فصلت-42).
الإسلام في المستقبل، ومصيره الذي سوف يؤول إليه نجده في آيات كثيرة في القرآن الكريم لكن أوضحها، وأبينها وأدلها على ما نرمي إليه نجده في قوله تعالى: «هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون». (التوبة-33).
إذاً، فمصير الإسلام في الزمن القادم هو أن يظهره الله تعالى على الدين كله، وهذا ضد إرادة خصومه الذين يسعون في الأرض فسادا، ويحاولون طمس معالمه، وحجب نوره حتى لا يصل إلى الناس.
الضمانة التي ذكرها الله تعالى لهذا الظهور هي في أن يحافظ الله تعالى على نوره، وتحول إرادة الله دون إطفاء نوره سبحانه، يقول جل جلاله: «يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون». (التوبة-32).
إذاً، فبقاء أنوار رسالة الإسلام ضمان على ظهور الإسلام كدين على الدين كله، ودوام نوره لينير القلوب والعقول والنفوس.
هاتان الآيتان (32،33) من سورة التوبة تؤكدان أن الصراع بين الحق الذي يمثله الإسلام في كماله وتمام نعمته والكفر بشتى صوره وأشكاله لن يتوقف وهو في صالح الإسلام حتماً.
والدليل على أن الإسلام هو دين الغد المأمول أنه يملك الكثير من الأجوبة عن الأسئلة المصيرية التي تشغل الناس، أيضاً يملك الإسلام الكثير من الحلول للمشاكل التي يواجهها الإنسان في حياته، وإن لم يجد هذه الحلول لمشاكله، فإن الإسلام يرخص لأتباعه في الاجتهاد بحثاً عن هذه الحلول تحت شعار: «أنتم أعلم بأمور دنياكم» وتشجيعاً للاجتهاد في البحث عن حلول في الأمور الفقهية وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المجتهد المصيب بأن له أجرين وللمجتهد المخطئ بأن له أجرا واحدا، أجر اجتهاده حتى لا يشعر المجتهد المخطئ بالغبن وأنه ضيع وقته من دون فائدة، يقول السياسي والصحفي الهندي نوفيه لال جابا: «ليس هناك أي دين آخر غير الإسلام لديه الإمكانية لحل كافة مشكلات الناس في العالم الحديث، وهذا هو امتياز الإسلام وحده» (قالوا عن الإسلام/د.عماد الدين خليل/ص 441).
أما عن قدرة الإسلام على جذب الناس إليه في المستقبل، فيقول عنه سير توماس أرنولد: «إن عدم وجود التعصب الطائفي ليكون القوة الحقيقية للإسلام في الهند، ويمكن له أن يجذب إليه عدداً كبيراً جداً من الهندوكية» (المرجع السابق/ص 443).
أما المستشرق الفرنسي مارسيل بوازار، فيقول عن مستقبل الإسلام في العالم، وخاصة عن سرعة انتشاره في إفريقيا السوداء، فيقول: «ها هو الإسلام يؤكد طموحه السياسي على المستوى العالمي، ويتابع انتشاره بانتظام، ولا سيما في إفريقيا السوداء. وإذا نظر إلى قيام الإسلام ووحدته تبين أنه ليس مجرد جسم ميت نقشت عليه ذكرى ماض مجيد، وإنما هو واقع حي حقاً». (قالوا عن الإسلام/د.عماد الدين خليل/ص 446). والوعود الإلهية التي تجزم بقدرة الإسلام على غزو القلوب قبل القوالب كثيرة ومنها قوله تعالى: «إذا جاء نصر الله والفتح(1) ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا(2) فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا(3)». (النصر).
هذه السورة المباركة رغم قلة عدد كلماتها إلا أنها انطوت على إشارات على انتشار الإسلام، وذيوع أمره بين الناس، وتحدثت السورة بصيغة الماضي عن مجيئ النصر للإسلام، والفعل الماضي يفيد التحقق، والظهور والشيوع مظهر من تجليات النصر، وتحدثت السورة عن مستقبل الإسلام الذي سوف يتحقق بدخول الناس فيه أفواجا لهذا عبَّر عن دخول الناس- والناس لفظ يفيد العموم- عبَّر عنه بصيغة المضارع، والفعل المضارع يفيد الحال والاستقبال، كما يقول أهل اللغة، وهذا الدخول بدأ في الماضي ولا يزال مستمراً في الحاضر، وسوف يستمر في المستقبل، ويكون الدخول في الإسلام كثيفاً عبَّر عنه بلفظ «أفواجا»، وكأن الفعل المضارع فيه استبشار بالمستقبل الواعد للإسلام.
وبعد، فإن الإسلام بكل المقاييس هو دين المستقبل الواعد، والغد المأمول دلنا على ذلك آيات من الكتاب المنير، وشهادات العديد من علماء الغرب ومفكريه المنصفين، وان البشرية سوف تجد فيه وفي حلوله الراحة والطمأنينة، وصدق الله العظيم: «فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يَصَّعَّد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون». (الأنعام-125).
نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٥٢٨ – الأحد ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٠ م، الموافق ١٠ صفر ١٤٤٢هـ