بقلم: د. نظمي خليل أبوالعطا

عندما تحمل في كفك بعض الحبوب أو البذور فإنك تحمل عشرات النباتات بخصائصها العلمية والحيوية التي تحتاج إلى مجلدات لتسجيلها ووصفها وبيان مراحل تكوينها وإنباتها ونموها وما يتكشف عنها من الأزهار والثمار والبراعم الخضرية.

وعندما تحمل بين إصبعيك نواة فإنك تحمل ميكرو حاسوب حيوي يحتوي على جميع خصائص النخلة الناتجة من هذه النواة، فهي تحمل المادة الغذائية اللازمة لإرضاع الجنين من وقت تنشيطه بالماء إلى وقت ظهور الخوصة الخضراء الأولى التي تقوم بتغذية النبتة الأولى من وقت فطامها والبويضات المشيج المؤنث، انك تحمل بين إصبعيك معجزة حيوية عجيبة هي نواة النخلة، ونفس الشيء ينطبق على جميع البذور والحبوب، من هنا كانت الأسرار الخفية في الحبوب والبذور النباتية معجزة حيوية يعجز كل المختصين في الحبوب والبذور وضعها في هذه الحبة والبذرة التي تحتل مليمترات من الحيز المحيط بها.

والسؤال المطروح الآن: هل يعقل أن هذه الحبوب والبذور خلقت بالمصادفة والعشوائية كما يدعي أصحاب نظرية المصادفة والعشوائية في الخلق (أي نظرية التطور)؟

الحب كما جاء في معجم النبات من قاموس القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي: الحبة ثمرة صغيرة بها بذرة واحدة تلتحم مع غلاف الثمرة وتعرف بين النباتيين باسم البُرّة وتمثل المواد الكربوهيدراتية وخاصة النشا، معظم مكونات الحبة، وبكل حبة جنين صغير ينبت عند الإنبات ليكون البادرة، ويتكون الجنين في الحبة من ريشة (رويشة)، وجدير وفلقة تعرف بالقصعة (scutellum) وتتراص الحبوب في سنابل أو كيزان… انتهى.

النواة عجمة الثمر والزبيب وغيرها ويتصور أن النوى هو بذور الثمار اللبية الغضة (الطرية) سواء أكان في الثمرة نواة واحدة أو اكثر، والنواة التي تمثل البذرة تتكون من أجزاء أهمها الجنين، والجنين ما هو إلا نبات صغير يتكون من ريشة (رويشة) تعطي المجموع الخضري للنبات بعد الإنبات وجذير يعطي المجموع الجذري عادة، وفلقة أو فلقتين على الأغلب -يخزن فيهما- في معظم الأحيان- المواد الغذائية من كربوهيدراتية وبروتينية ودهنية وغير ذلك. وقد تكون الفلقات صغيرة، فيخزن (نسيج) الأندوسبرم المواد الغذائية (مستقلات عن الفلقات) وتحاط البذرة (من الخارج) بغلاف يسمى القصرة (testa) به ثقب صغير ينفذ منه الماء عند الإنبات قرب منطقة الجذير.

ونواة التمر (البلح) بذرة بها جنين صغير، ذو فلقة واحدة صغيرة ويشغل الإندوسيرم معظم جسم البذرة، أما نواة الزيتون والمشمش والخوخ واللوز فهي بذرة داخل غلاف خشبي يمثل الجزء الداخلي من غلاف التمرة، والبذرة بها جنين يتكون من جذير وريشة (رويشة) وفلقتين، فالنوى -إذن- قد يدل على البذرة وحدها، أو البذرة ومعها جزء من غلاف الثمرة أما الحبة فهي ثمرة من نوع البرة. (المرجع السابق) (ص108).

ولنواة البلح ثقب في غلاف البذرة يدخل منه الماء الذي يمكن البذرة من الإنبات، وفي لسان العرب النقير نقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة وللنقير، رغم أنه ضيق وصغير، فائدة كبيرة في حياة النبات، ولا يرى بالعين المجردة إنما يمكن تبين مكانه بعد نقع البذرة في الماء فإذا ضغطت بعد انتفاخها خرج الماء أو فقاقيع من النقير (المرجع السابق) (ص107).

ومن السبق القرآني ورد ذكر النقير في قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) النساء (53).

وقال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أو أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) النساء (124).

بعض البذور ذات غلاف (قصرة) صلبة غير منفذة للماء تماما كما هو الحال في بذور نباء الخروع، ولكن الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى الذي أحسن كل شيء خلقه زود هذه البذور بثقب في مقدمة البذرة، هذا الثقب محاط بتركيب اسفنجي يتشرب الماء بسرعة يسمى البسباسة (carncle) فينفذ الماء من الثقب ويصل إلى الجنين، فهل هذا التركيب خلق بالمصادفة والعشوائية من دون خالق عليم خبير؟ قال تعالى: (قَالَ رَبُّنَا الذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه (50).

بعض البذور والحبوب تظل في التربة لعشرات السنين حية كامنة ولا تنبت إلا إذا نزل عليها الماء وتوفرت الشروط الأخرى للإنبات من الحرارة والعائل للنباتات المتطفلة، وعملية إنبات البذور والحبوب عملية معجزة وقد فصلنا ذلك في كتابنا (آيات معجزات من القرآن الكريم وعالم النبات) حيث العجب العجاب في الإنبات وظهور البادرات وكما قلنا سابقًا فإن صفات الشجرة الضخمة مثل شجرة الجميز والفيكس البنغالي كلها مكتوبة على الميكروب وحاسوب الحيوي بدقة بالغة تعجز البشرية عن إيجاده وكل هذه الحقائق جزء من الأسرار الخفية في الحبوب والبذور النباتية المعجزة الحيوية وسبحان القائل (إنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَىَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) الأنعام (95).

وقال تعالى: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِله مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) النمل (60).

إنها الحقائق القرآنية النباتية المعجزة في التفريق بين الحب والنوى والإنبات وإخراج النبات الحي من المواد الغذائية الميتة، كلها حقائق تبين أن القرآن الكريم كتاب معجز ضمنه الله تعالى إشارات علمية تتوافق تمام التوافق مع الحقائق العلمية التي نكتشفها بالدراسة والبحث في العلم الحديث.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٦١٨ – الجمعة ٢٥ ديسمبر ٢٠٢٠ م، الموافق ١٠ جمادى الاول ١٤٤١ هـ