بقلم: د. نظمي خليل أبوالعطا

الفساد من الأمراض التي أرهقت الأمم والشعوب، وهو السبب الرئيس في هلاك الأمم وهو يشمل الفساد الاقتصادي، والفساد التعليمي والفساد الإعلامي، والفساد الأخلاقي والفساد الأمني.

يقول ابن حجر في الزواجر: بعد أن ذكر الآية الكريمة: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا) المائدة (33): كما ذكر الله تعالى تغليظ الإثم في قتل النفس بغير حق، والإفساد في الأرض أتبعه بيان نوع من أنواع الفساد في الأرض وذكر أن عَدَّ هذا الفساد كبيرة هو ما صرح به جمع، وصرح بعضهم أنه بمجرد قطع الطريق وإخافة السبيل ترتكب الكبيرة فكيف إذا أخذ المال، أو جرح، أو قتل أو فعل كبائر؟!

ومن معاني كلمة (الفساد) في القرآن الكريم:

أحدهما: المعصية ومنه قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ) البقرة (11).

والثاني: الهلاك ومنه قوله تعالى (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا) الأنبياء (22).

الثالث: الخراب، ومنه قوله تعالى (إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا) النمل (34).

الرابع: المنكر ومنه قوله تعالى (أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأرْضِ) هود (116).

قال ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إصلاحهَا) الأعراف (56)، قال اكثر المفسرين: لا تفسدوا في الأرض بالمعاصي، والدعاء إلى غير طاعة الله، بعد إصلاح الله لها يبعث الرسل وبيان الشريعة، والدعاء إلى طاعة الله.

وورد الفساد بمعنى التخريب والتدمير في آيات كثرة منها:

قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) البقرة (204-206).

قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوليْتُم أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (22) أولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أَبْصارَهُمْ) محمد (22-23).

قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم (41).

فقد ملأ الفساد الأخلاقي والاقتصادي والحيوي والبيئي والعمراني البر والبحر بالأنشطة الفاسدة للناس وقد بدأ آثار ذلك تظهر على الإنتاج البري والإنتاج البحري والبيئة البرية والبيئة البحرية وبدأت الأجناس الحية تموت ويختل الإتزان الحيوي وظهرت الأمراض الفتاكة على الإنسان والحيوان والكائنات الحية الدقيقة جراء هذا الفساد.

ومن مضار الفساد والمفسدين:

المفسد معول هدم في المجتمع.

اذا كثر الفساد والمفسدون في مجتمع من المجتمعات فقد دنا ما ينتظرهم من سخط الله وأليم عقابه وهلاك الجميع.

الفساد في الأرض كقتل النفس أو أشد ولذا جعل الله جزاء الذين يحاربون الله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفو من الأرض، وقد يجمع الحاكم بين العقوبات السابقة إذا عظم الفساد وإن عظم الجزاء مع عظم الذنب (موسوعة نضرة النعيم، في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، مجموعة من المختصين دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة: المملكة العربية السعودية (ط1) (ج11) (ص5236) (1998م) ).

ومن الفساد المنتشر في العالم الآن ويؤذن بهلاك الأمم ما يأتي:

الظلم: فقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تذكر الظلم سببًا من أسباب هلاك الأمم السالفة، والظلم لفظ عام في وضع الشيء في غير موضعه، وهو يشمل الشرك وغيره من المعاصي إلا أن الشرك أعلى أصناف الظلم ولا ظلم أعظم منه.

ومن الآيات التي ورد فيها ذكر الظلم سببا للهلاك قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) يونس (13). قال ابن جرير رحمه الله: ولقد أهلكنا الأمم التي كذبت رسل الله من قبلكم أيها المشركون بربهم لما ظلموا، يقول: لما أشركوا وخالفوا أمر الله ونهيه (تفسير الطبري).

ومنها قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) الكهف (59)، وقوله تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً) الأنبياء (11)، وغير ذلك من الآيات التي تذكر الظلم سببًا لهلاك من هلك من الأمم السابقة.

الإجرام: وهو شبيه الظلم، يعم الشرك وغيره من المعاصي، والشرك أبشع أنواع الإجرام وأشنعه.

الذنوب: وهلاك الأمم السالفة كان بسبب الذنوب.

ومن الأمم التي هلكت بسبب فسادها: قوم نوح والتي سبق أن بينا سبب هلاكهم.

عاد: أرسل إليهم الله سبحانه وتعالى هودًا عليه السلام، يدعوهم إلى توحيد الله، فلم يلق منهم إلا العناد والتكذيب فأهلكهم الله بالريح وقطع دابرهم.

ثمود: وقد اعطيت مهارة البناء والعمران مع ما كانوا فيه من طيب العيش ورغده ولكنهم لم يقابلوا هذه النعم بالشكر والعرفان كما يجب بل قابلوها بالكفر والنكران فأرسل الله إليهم أخاهم صالحًا عليه السلام، فدعاهم إلى عبادة الله، ونبذ عبادة الأصنام، فكذبوه وطالبوه بآية على صدقه عنادًا وتعنتًا، فآتاهم الله بالناقة آية بينة، وحجة بالغة، فأصروا على افسادهم وتجرأوا على انتهاك حرمة الله فعقروا الناقة فحق عليهم كلمة العذاب.

وقوم لوط وقد سبق لنا بيان افسادهم الأخلاقي بالشذوذ عن الفطرة واتيان الرجال شهوة من دون النساء فاهلكهم الله بالرجم وانقلاب المساكن وارسل عليهم صيحة عظيمة.

وقوم شعيب بفسادهم الاقتصادي سبق بيان قصتهم بالتفصيل.

وكذلك فرعون وقومه وفسادهم السياسي والعقائدي والاجتماعي وقد سبق بيان قصتهم بالتفصيل، وأصحاب السبت وفسادهم العقائدي، وكذلك أصحاب الجنة وافسادهم بحرمان الفقراء والمساكين من حقوق المالية.

وفي العصر الحديث استشرى الفساد الاقتصادي بانتشار الربا والفساد السياسي بالطغيان وعدم اشراك الشعوب في القرارات المصيرية والفساد الإنساني بهدر حقوق الإنسان بشتى الصور، والفساد الوظيفي بابعاد الرجل المناسب عن المنصب المناسب ووضع من لا يناسب مكانه، واستشرى الفساد الإعلامي، والفساد التعليمي والتربوي ووقف العَلمانيون (بفتح العين) حجر عثرة أمام شرع الله وقالوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله.

كل هذه أنواع من الفساد انتشرت خاصة في ديار المسلمين علاوة على الفساد الزراعي والصناعي والتربوي والتخلف في كل تلك المجالات بما يأذن بهلاك تلك الأمم.

والحل الأمثل: في عودتنا إلى دين الله الذي اعزنا الله به سنين طويلة مع الفهم الصحيح للدين والبعد عن الكهنوتية واتخاذ الدين وسيلة لتخدير الشعوب، ومن أكبر الفساد المنتشر عندنا التكاسل وعدم الإنتاج والعمل به مع الدعوة إلى الفتن الطائفية والمذهبية واتخاذ المنابر طريقًا لزرع الفتنة والتخدير للناس وهذا فساد كبير يأذن بالحروب الأهلية وإهلاك الحرث والنسل والتنازع والفشل وذهاب الدولة والقوة والوحدة والمنعة.

المفسدون يهددون حياتنا العلمية، والثقافية، والسياسية والاقتصادية والتربوية والإعلامية ويجادلون مسخنا العقائدي وابعادنا عن ديننا ولغتنا العربية وثقافتنا الإسلامية والعياذ بالله.

المفسدون يهددون النظام الكوني بإشاعة الشذوذ الجنسي وضياع النظام الأسري وانقراض الجنس البشري، كما أنهم يشيعون التعامل بالربا الذي يتسبب كل فترة بأزمات اقتصادية عالمية مدمرة والمفسدون من صناع الأسلحة المدمرة يعملون على الفتنة بين الشعوب واستعار الحروب لبيع أسلحتهم لمتناحرين من البشر والمفسدون يشترون الفساد الأخلاقي بأفلام الجنس والفساد مما تسبب في انتشار الأيدز وغيره.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٦٢٤ – الجمعة ١ يناير ٢٠٢١ م، الموافق ١٧ جمادى الأول ١٤٣٦ هـ