نحن على موعد معكم اليوم لنذهب سويا في جولة علمية نتعلم منها الصبر على الشدائد الدنيوية عمليا وفي صحبتنا النباتات الصحراوية، ففي الصحراء وسط الرمال المفككة، والمطر النادر، والجفاف الشديد، والحر القائظ، والضوء الساطع والشمس الحارقة، نجد النباتات الصحراوية تنبت وتنمو وتزهر وتتكاثر بصورة عجيبة ومعجزة.

درس العلماء تلك النباتات ليتعلموا منها التدبير والصبر للتغلب على الشدائد عندما تقع، وجد الباحثون أن في الصحراء ثلاثة أقسام من النباتات: نباتات هاربة من الجفاف والحر الشديد والشمس الحارقة، ونباتات عصيرية، ونباتات الجفاف الحقيقية التي تجابه الشدائد وجها لوجه وتصبر عليها.

فهيا بنا نقترب أكثر من تلك النباتات.. النباتات الهاربة من الجفاف والحر الشديد هي نباتات عادية (وسطية) لا تتحمل تلك الظروف القاسية، ولكن الله تعالى قدَّر لها أن توجد في هذه البيئة الجافة الحارة القاسية.

وقد هيأ الله تعالى تلك النباتات بحيث تنبت بذورها وحبوبها في فترة الرغد ونزول المطر واعتدال الحرارة، فهي نباتات رقيقة السيقان والأوراق تكمل دورة حياتها قبل حلول الجفاف، وتبقي بذورها وحبوبها وثمارها ذات الأغلفة المقاومة للبيئة الصحراوية القاسية كامنة إلى موسم الأمطار في العام القادم.

فمن علَّم هذه النباتات الغضة والضعيفة هذا السلوك البيئي والنباتي العجيب؟!!

أعجز إجابة عن هذا السؤال هي رد سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام عندما سأله فرعون «قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى» (طه: 49-50).

أما النباتات العصيرية فهي نباتات رزقها الله تعالى آليات وظائفية (فسيولوجية) وتشريحية وتركيبية تساعد على تخزين الماء وقت توفره والحفاظ عليه واستغلاله وقت الجفاف، منها نبات التين الشوكي أو الصبار، ونبات الرطريط، حيث تحتوي على خلايا محبة للماء تتمسك به بشدة ويصعب عليه الفكاك منها إلا للنبات نفسه وخلاياه وأنسجته، ولهذه النباتات جذور طويلة تمتد في التربة بحثا عن الماء. وبعض هذه النباتات تسقط أوراقها قبل حلول الجفاف وتقوم السيقان نيابة عنها بعملية البناء الضوئي. وسيقان هذه النباتات مغطاة بطبقة شمعية سميكة غير منفذة للماء. أما نباتات الجفاف الحقيقية فهي نباتات الشدة والصبر والمقاومة والتراكيب المعجزة، فالأوراق صغيرة تتساقط بعد مدة قصيرة كما هو الحال في نبات العاقول (أو القتاد)، أو تبقى الأوراق خلال فترة الأمطار ثم تسقط قبل حلول الجفاف، وقد تنعدم الأوراق تماما وتقوم الساق بعملية البناء الضوئي عوضا عن الأوراق كما هو الحال في نبات الرتم.

ومن السلوكيات المذهلة لبعض هذه النباتات هو أن تلف أوراق النبات حول نفسها كما تلف أوراق التبغ لصناعة السيجار، وهذا اللف يغطي الثغور تماما ويحمي الأوراق من فقدان الماء بالثغور كما هو الحال في نبات قصب الرمال.

تغطى بعض هذه النباتات بأشعار وأوبار تحميها من الحر الشديد والجفاف وفقدان الماء، وخاصة إذا تركزت هذه الأشعار والأوبار حول الثغور الغائرة في حجرات ثغرية.

وبعض هذه النباتات يغطيها من الخارج فقاعات مائية تعمل كالمرايا فتعكس الضوء الشديد عن النبات كما هو الحال في نبات الثلج.

وبذلك نتعلم من النباتات الصحراوية أن الشدة تقوي الكائن الحي، وأن الله تعالى لطيف بمخلوقاته «قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى» (طه: 50).

فأين المصادفة والعشوائية في الخلق التي يدعيها الداروينيون ويسوقون لها وينادي بها الملحدون، والأدهى والأمر أن الملحدين يدّعون أن الكون ليس له خالق مدبر عليم خبير لطيف، وما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وما يهلكهم إلا الدهر.

الشاعر العربي يقول:

تأمل في رياض الأرض وانظر

 إلى أثار ما صنع المليك

عيون من لجين شاخصات

 بأحداق من الذهب السبيك

على قضب الزبرجد شاهدات

 بأن الله ليس له شريك

وبهذه المناسبة نقول إن النباتات البرية والصحراوية هي المعين الجيني والمخزون الجيني الذي ينهل منه العلماء والباحثون لتحسين الأصناف والسلالات النباتية المزروعة وحمايتها من التدهور الجيني وقلة الإنتاج والمقاومة للأمراض.

لذلك وجب علينا الحفاظ على النباتات البرية والصحراوية، وخاصة وقت التخييم وإقامة الأنشطة في الصحراء والفلوات الواسعة وحمايتها من الرعي الجائر والتحطيب المهلك والحرق والخلع.

وقد فطن الاستعمار إلى أهمية النباتات البرية والصحراوية في بلادنا العربية فجمعوا تلك النباتات وأنشأوا بنوكا لبذورها وحبوبها وثمارها حتى إذا تحطمت أصولها الوراثية باعوا لنا جينات وسلالات هذه النباتات وكذلك الأنواع والأجناس بأثمان باهظة بعدما احتكروها وعرفوها وصنفوها وحفظوها.

علمتنا النباتات الصحراوية عدم الاستهانة بالكساء النباتي والتنوع الحيوي، فنحن نحتاج إلى تشريعات تحفظ الأصول الوراثية للنباتات العربية، وعدم التفريط فيها أو تجريف الأرض والبناء عليها من دون دراسة وبحث علمي دقيق.

بعض الطحالب الخضراء المزرقة تتكافل مع بعض الفطريات لتكون الأشنات التي تنبت على الصخور الجافة في المناطق الحارة، وتفتت الصخور بما ينتجه الفطر من أحماض عضوية، وزيادة المحتوى العضوي للتربة بما تنتجه الطحالب الخضراء المزرقة من مواد عضوية بالبناء الضوئي فتهيئ البيئة لارتياد أجناس جديدة من السراخس والحزازيات، وفي النهاية تتحول تلك الصخور إلى تربة زراعية صالحة للزراعة بما تحويه من مواد عضوية وكائنات حية دقيقة وحيوانات أولية وتتغذى بعض الحيوانات على الأشنات، وخاصة في المناطق الثلجية والحارة.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٤٦٤٤ – الجمعة ٢٧ أبريل ٢٠١٨ م، الموافق ١١ شعبان ١٤٣٩هـ