سادت الحضارة الإسلامية من يوم إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بقيادة المصطفى صلى الله عليه وسلم وظلت سائدة إلى أن أسقطت دولة الإسلام بسقوط الخلافة العثمانية وبعدها سادت الفرقة وعم التخلف وتمزقت الأمة جغرافيًا بسايكس-بيكو الاستعمارية، ثم تمزقت سياسيًا إلى دويلات متعددة، وزاد التمزق بانتشار الفتن الطائفية وتقاتلت الدول الإسلامية بالطائفية المسلحة وفي خضم هذا التمزق والهوان وجب علينا العمل على عودة القوة والمكانة والعزة لتلك الأمة وفي هذه السطور أدلو بدلوي في كيفية نهوض الأمة.

وأول شيء علينا القيام به هو إصلاح التعليم في ديارنا العربية والإسلامية وتربية جيل واع مبدع عالي الهمة صحيح العقيدة يقدر ثوابت الأمة ويتمسك بالكتاب والسنة وفق الفهم للعلماء العاملين في العلوم الشرعية ويعمل على النهضة العلمية التقنية للأمة وفق منهاج العلماء العاملين في العلوم الكونية بحيث تصبح نهضة الأمة نهضة علمية تقنية شرعية.

علينا أن نفكك النظام التعليمي التربوي الاستعماري الذي بناه الاستعمار في ديارنا العربية والإسلامية هذا النظام الذي يؤسس للتخلف ويحصر التعليم في المتون والمحفوظات والمصمومات ويعطل القدرات العقلية العليا لأجيال الأمة.

علينا أن نبدأ بإعداد جيل إسلامي بدءًا من مراحل التعليم الأولية ومرورًا بالتعليم في المرحلتين الثانوية والجامعية ومرحلة الدراسات العليا والاهتمام بالقدرات العقلية العليا والبحوث العلمية المهمة والفاعلة المؤدية إلى حل مشكلاتها على أسس علمية مدروسة وفاعلة علينا أن نبدأ بالإعداد العلمي التربوي الفاعل للمعلمين بحيث يكون المعلم قادرًا على قيادة التربية والتعليم لأبناء الأمة على أسس علمية تربوية صحيحة لإخراج المتعلمين من الصندوق الأسود الاستعماري الدنلوبي (نسبة إلى دنلوب المعتمد البريطاني المجسد للتربية الاستعمارية في ديار المسلمين) يخرجهم المعلمون من الصندوق الاسود إلى التعليم المنمي للقدرات العقلية العليا إلى تربية الإبداع، وهذا المشروع العلمي التربوي لإصلاح التعليم يحتاج إلى جهود أبناء الأمة المخلصين من الخبراء والمتخصصين ولنا في دول شرق آسيا القدوة فبالتعليم تحولت سنغافورة وماليزيا وكوريا من دول متخلفة فقيرة إلى دول تتبوأ المراكز المتقدمة في التقدم التعليمي، ومن دون الاهتمام بالتربية والتعليم فستظل داخل قمقم التخلف الذي حبسنا فيه أعداء أمتنا.

الأمر ليس بهذه البساطة واليسر فالعقبات السياسية والاقتصادية والداخلية والخارجية تتربص بنا وتمنعنا من البدء في نهضتنا العلمية وهذه العقبات تحتاج إلى دراسات يجب على المختصين القيام بها.

لقد بدأ المصطفى صلى الله عليه وسلم بإعداد جبل قوي متعلم واهتم بالتربية والتعليم في مدرسة الأرقم بن أبي الأرقم وبعد الهجرة بدأ في تفعيل الدور التعليمي والتربوي للمسجد وحث المسلمين على تحصيل العلم وشحذ المسلمين للتعليم والتعلم والتربية ونزع الجاهلية وعوامل الفرقة من نفوسهم وجاء القرآن الكريم ليبين للمسلمين طريق النهضة والوحدة والبعد عن الفرقة والتنازع المفضي إلى الفشل وضياع القوة وهدم الدولة.

من دون إصلاح التعليم وتحويله إلى تعليم فعال ومثمر من دون ذلك فكل ما نفعله أننا ندير عجلات الأمة المغروزة الوحل فتزداد العجلات الغوص في الوحل ودورات العجلات في الطين وتكون النتيجة الاستسلام للعيش في الوحل.

الجهل المركب:

الجهل نوعان: جهل بسيط؛ وهو الجهل الشائع بين العباد، وهو أمر وارد في حق كل إنسان فالإنسان يعلم أشياء ويجهل العديد من الأشياء. والعلم كما قال الأصفهاني في مفردات القرآن هو إدراك الشيء على حقيقته.

والنوع الثاني من الجهل هو الجهل المركب، وهذا أسوأ أنواع الجهل وأقبحه، ففي هذه الحالة يكون الشخص لا يدري ولا يدري أنه لا يدري وهذا هو الحمق بعينه، وهذا ما يقع فيه بعض الملحدين والمرجفين في القرآن الكريم والسنة النبوية أمثال سيد القمني المصري الملحد الذي اعترض على مراحل نمو الجنين في القرآن الكريم وهو غير مختص في علم الأجنة وغير متخصص في العلوم الحيوية ومن أقبح ما سمعت منه هو قوله: أن الحيوان المنوي عندما يلتقي بالبويضة يخصبها ويعطي «الزِّيجُوت» وهذا من أقبح ما سمعت في هذا المجال وقد درست ودرَّست مراحل التكاثر الجنسي في جميع الكائنات الحية ولم اسمع من قال: «الزِّيجُوت» بهذا النطق الدال على الجهل المركب، فلو نطق أحد الطلاب هذه المرحلة بهذا الاسم لضحك منه كل متخصص ودارس ولكن النطق الصحيح والعلمي هو «الزَّيجوت Zygote»، وقد كان ينطق هذا المصطلح ببجاحة وجهل عجيب جعلني أدخل في حالة من الضحك إذا كنت تجهل نطق اسم هذه المرحلة فكيف تنقد المراحل كلها، وعندما قرأ القمني الآيات القرآنية تلعثم بطريقة مشينة، فإذا كنت تجهل قراءة الآيات القرآنية فكيف تتبحج وتنقدها، وهذا هو الجهل المركب بعينه وهو الدخول في مجالات لا يعلم عنها القليل ولكنه يرد شبهات قرأها أو سمعها ولم يصل إليها بعلم ودراسة وفهم وهذه مصيبة الجهلاء بالجهل المركب القبيح.

(ويخلقُ مَا لا تعلمُونَ):

خرج علينا أحد الملحدين بتهكم على قول الله تعالى: (وَالخيل وَالبغَالَ وَالحمِيرَ لِتَركَبُوهَا وَزِينَة وَيخُلقُ مَا لا تعلَمُونَ) [النحل: 8]، قال الملحد لقد انتهى عهد الخيل والبغال والحمير ونحن الآن في زمن المرسيدس والرويزرايز، وقد غفل هذا التجاهل عن ختام الآية بقوله تعالى: (ويخلق مالا تعلمون) أنها معجزة أن يختم الله تعالى هذه الآية بهذه الخاتمة التي ردت على هذا الملحد وهو بشرى لعباد الله أن الله سبحانه وتعالى سيخلق لهم السيارات والطائرات والصواريخ وأوجد العلم المؤدي إلى صناعتها والخامات المستخدمة في صناعتها والوقود اللازم لإدارتها، وخلق العقل البشري القادر على صناعتها ومن دون هذه المتطلبات القادر على صناعتها ومن دون هذه المتطلبات لعجز الإنسان عن إيجاد السيارة والطيارة والصاروخ.

والله سبحانه وتعالى يبشرنا بما هو أقوى من ذلك وهو نقل الماديات بالعلم وفي سرعة الضوء من مكان إلى مكان.

فقد استطاع من عنده العلم أن ينقل عرش بلقيس من اليمن إلى سيدنا سليمان في طرفة عين، وهذا بين مستقبل العلماء في مجال النقل ولكن الملحدون لا يعلمون ويستقطعون أجزاء من الآيات لإثارة الشبهات على الجهلاء والمخدوعين بهم ولكن هيهات أن ينال نفخ هؤلاء من نور الله.

والحمد لله رب العالمين..

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد :١٤٦٢٣ – الجمعة ٠٦ أبريل ٢٠١٨ ، الموافق ٢٠ رجب ١٤٣٩ هـ