يقول علماء التربية إن التعليم والتعلم بالقدوة من أفضل الوسائل التربوية الفعالة والناجحة، فالتربية بالقدوة تترجم الكلمات إلى مواقف تربوية علمية، وتحول العبارات إلى سلوكيات وأخلاق علمية، فتتربى النفوس من خلال تلك القدوة أو الأسوة. فما هي القدوة؟!

قال الجوهري: القدوة: الأسوة، يقال: فلان قدوة يقتدى به، وتنقسم القدوة إلى نوعين: القدوة الصالحة: وهي التي تتخذ الإسلام بمفهومه الشامل منهاجا وسلوكا، والقدوة السيئة: وهي التي لا تتشرف بحمل الإسلام، ولا تحب أن تنتسب إليه، فضلا عن أن تكون قدوة تحمل الناس عليه وتدعوهم إليه (بناء الشخصية الإسلامية في السيرة النبوية، نظمي خليل أبوالعطا موسى، ص 182).

وقد أولى القرآن الكريم القدوة الحسنة أو الأسوة الحسنة اهتماما بالغا، فقال الله تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا». (الأحزاب 21)

يقول صاحب التفسير المنير رحمه الله: هذا أمر من الله تعالى بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله وصبره ومصابرته.

ولذلك وضع الله تعالى في شخص النبي صلى الله عليه وسلم الصورة الكاملة للمنهاج والتصور الإسلامي ليكون للأجيال المتعاقبة الصورة الحية الراقية في كمال خلقه وشمائل عظمته (تربية الأولاد في الإسلام، عبدالله علوان).

فان أردت أخي المسلم أن تربي أبناءك التربية الحسنة فكن لهم قدوة علمية تطابق أفعالك أقوالك وأن تجعل من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم مثلك الأعلى ونبراسك في تربية أبنائك في الصدق والأمانة وشجاعته واستشارته ومشورته والنظافة وشمول العبادة والتوسط فيها والعمل وتحصيل العلم والتربية وتقدير الزوجة والمرأة وصلة الرحم والحب، ونبذ العصبية والجاهلية والشكر والرحمة والإخلاص والصواب في العمل وتعمير الكون بنواميس الله في الخلق، وعدم الغش، والقدوة في أدب الكلام والحفاظ على الوقت ومحاسبة النفس.

إن مصيبتنا الكبرى في التربية هذا الفصام في سلوكنا وكلامنا، والبعد عن الفهم الصحيح للتربية في القرآن الكريم دستور الخالق للخلق والسنة النبوية الصحيحة الترجمة العملية للتربية القرآنية، نأمر الأبناء بالصدق ونحن نكذب، وننهاهم عن الغش ونحذرهم من الغشاشين ونحن نغش، ونطالب المتعلمين بحسن الخلق ونحن نهمل في إعداد المواقف التربوية ولا نطبقها التطبيق العلمي والتربوي السليم.

لقد نجح الصحابة رضوان الله عليهم في نشر الإسلام وبناء أعظم دولة وحضارة في العالم لأنهم فهموا دين الله، وتدبروا آيات الله، وطبقوها في حياتهم، ولم تغيرهم الشدائد والنعم، ولذلك قال الله تعالى فيهم: «مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا». (الأحزاب 23)، فهم: مؤمنون بالله وبكتابه وبرسله، وهم رجال بما تحمل هذه صفة الرجولة من الصدق والإخلاص والهمة والشجاعة والأمانة والوفاء بالوعد، وهم صادقون في إيمانهم ونياتهم وأقوالهم وأفعالهم ووفائهم بالوعد مع ربهم وجهادهم في سبيل الله، والهمة في نشر دين الله ولم يبتدعوا في دين الله، ولم تغرهم انتصاراتهم على عدوهم وكثرتهم وغنائمهم، فهم ثابتون على عهدهم مع الله وبما عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، لذلك فتحوا القلوب والبلدان ونشروا الدين من جنوب إسبانيا إلى الصين، ومن جنوب المجر إلى عدن، كل هذا من التربية الحسنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وإعدادهم الإعداد التربوي النفسي السليم وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

إنه الجيل الذي علم الدنيا الصدق والأمانة والرجولة وشيدوا حضارة إسلامية ظلت تقود العالم علميا وخلقيا لأكثر من ألف عام، وكانوا كالبنيان الواحد إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، وعندما صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولم يبدلوا عجز عدوهم أن يهزمهم ويفرق جمعهم ويفتنهم في دينهم.

وعندما دب الوهن في التربية الإسلامية، وزحفت الدنيا على سلوكهم ضعفت مناعتهم وانهارت أسس تربيتهم الإسلامية فكانوا لقمة سائغة لعدوهم الذي فرق جمعهم وفتتهم وزرع الفتن الطائفية والمذهبية في نفوسهم، وأصبح الاستعمار وثقافة الاستعمار قدوتهم ففشلوا في تربية أبنائهم التربية الإسلامية، وتعاونوا مع عدوهم على إخوتهم في الدين وأسقطت وحدتهم وهدمت دولتهم، فتخلفوا وفقدوا مناعتهم التربوية فكانت النتيجة غياب القدوة الحسنة في حياة أبنائهم، وتخلفنا خلقيا وعلميا وتقنيا واقتصاديا وتربويا وتعليميا وصحيا، وأصبحنا نحتل ذيل التصانيف العالمية للدول في التعليم والبحث العلمي، وحقوق الإنسان وحماية البيئة والإنتاج.

والحل هو العودة إلى تربية الأسوة الحسنة واتباع السنة النبوية والتربية القرآنية، والعودة إلى الصدق والإخلاص والصواب في تربيتنا وأعمالنا وأقوالنا والعزم على عودتنا إلى قمرة القيادة التي ظللنا نقود العالم بها لألف عام بقوة وصدق واقتدار.

نحتاج إلى الوالد القدوة الحسنة.

نحتاج إلى الأم القدوة الحسنة.

نحتاج إلى المعلم القدوة الحسنة.

نحتاج إلى الحاكم القدوة الحسنة.

نحتاج إلى المحكوم القدوة الحسنة.

نحتاج إلى الطبيب القدوة الحسنة.

والمهندس والعالم والمتعلم والزارع والصانع القدوة الحسنة.

نحتاج إلى الصدق في القول والفعل، والإخلاص في النية، والصواب في العمل لنربي جيلا من الأبناء يقودنا إلى الخلاص من جب الجهل والتخلف الذي نحن فيه.

(بناء الشخصية الإسلامية في السيرة النبوية، نظمي خليل أبوالعطا موسى، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة (ط 1) (ص181) (2013م).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٥٣٣ – الجمعة ٩ اكتوبر ٢٠٢٠ م، الموافق ٢٢ صفر ١٤٤١ هـ