عندما قال الله تعالى: «إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» (الكهف 7)، وقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم «تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور» (الملك 1-2) عندما قال الله تعالى ذلك دلل على أن الأرض خلقت مهيأة للتعمير والعمران بما أودع الله تعالى فيها من مقومات ذلك (ما على الأرض زينة لها)، وجعل من الحياة مجالاً للتعبير والأخذ بالأسباب، وبالأخذ بالأسباب وتحول الخامات إلى صناعات مفيدة بما يجعل الحياة مجالاً للتعمير والبناء.

– وقد تجسد مبدأ الأخذ بالأسباب واضحاً في قصة ذي القرنين قال تعالى: «ويَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، فَأَتْبَعَ سَبَبًا» (الكهف 83-85)، وقال تعالى: «قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا، آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا، فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا» (الكهف 95-97).

– إن القرآن الكريم اهتم بإخراج القيم الصحيحة في سيرة ذي القرنين وأعماله وأقواله مثل:

1- الحكم والسلطان والتمكين في الأرض ينبغي أن يسخر لتنفيذ شرع الله في الأرض، وإقامة العدل بين العباد، وتيسير الأمر على المؤمنين المحسنين، وتضييق الخناق على الظالمين المعتدين ومنع الفساد والظلم وحماية الضعفاء من بطش المفسدين.

– الاهتمام باتخاذ الأسباب لبلوغ الأهداف والغايات التي سعى إليها حيث آتاه الله تعالى من كل شيء سبباً فأتبع سببا (فقه التمكين في القرآن الكريم، علي محمد الصلابي (ص139) فلا اتكالية، ولا دروشة أو رهبنة أو الاعتماد على الأموات من الصالحين، ولا قراءة للبخاري لمجابهة العدو، ولكنه الأخذ بالأسباب وإعداد العدة. كمال قال تعالى: «وأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ» (الأنفال 60).

– إنه المبدأ القرآني الرباني العظيم في مواجهة العدو بإعداد القوة اللازمة لردع العدو وردع من يقف معه في الخارج والداخل والإنفاق المادي والعقلي والبدني والعلمي والتقني والمعنوي للتعبئة العامة فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يزرع العيون في ديار العدو وفي صفوفه، وعندما علم باستعداد الروم لغزو المدينة، استنفر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بأموالهم وأنفسهم في جيش جرار أكثر من ثلاثين ألفاً وخرج الجيش في الحر ووصلوا إلى أرض العدو وبث الرعب في نفوسهم ونفوس من يعاونونهم من الأعراب وعقد صلحاً مع حاكم أيله من مركز القوة، وعاتب الله تعالى المتخلفين الصادقين بدون عذر وخلًّفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي خلًّف قبول عذرهم وتوبتهم إلى أن يحكم الله تعالى فيهم، وطلب من المسلمين مقاطعتهم وهجر أزواجهم لهم فطبق المسلمون بنود المقاطعة بدقة بالغة كما قال تعالى: «لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ، وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (التوبة 117-121).

– إنه الأخذ بالأسباب وإعداد العدة والقوة لملاقاة العدو وردعه وإرهابه من المسلمين.

– وعندما يتخذ المسلم من هذه التربية نبراساً وأنموذجاً عملياً عقائدياً في حياته، ويجتمع المسلمون ويجمعون على هذا المنهاج فإن النجاح والنجاة هي النتيجة الربانية لهذا السلوك العلمي المنظم، وعندما أخذ المسلمون بهذا المنهاج (الأخذ بالأسباب) فتحوا البلدان والقلوب ونشروا الدين والعدل والمساواة والحرية بين الشعوب فدخلت الشعوب في دين الله أفواجاً والحمد لله. (وللحديث بقية بإذن الله).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع الصائمين – العدد : ١٥٠٣٨ – الأحد ٢٦ مايو ٢٠١٩ م – الموافق ٢١ رمضان ١٤٤٠هـ