– ابحث عن أسباب الفشل والتخلف تجد التنازع والاختلاف المَرَضي (بفتح الميم والراء) هو السبب الرئيس في ذلك، وابحث عن أسباب النجاح والتقدم تجد التوافق والمودة والرحمة من أسباب ذلك، ولهذا حذرنا الله تعالى من التنازع حتى يجنبنا الفشل وذهاب القوة والدولة، قال تعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (الأنفال 46).

– قال الراغب الأصفهاني:

– نزع: نزع الشيء وجذبه من مقره، كنزع القوس عن كبده، ويستعمل ذلك في الأعراض ومنه نزع العداوة والمحبة من القلب.

– والتنازع والمنازعة: المجاذبة ويعبر بها عن المخاصمة والمجادلة، قال تعالى: «فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ» (النساء 59)، «فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ» (طه 62).

– قال الشيخ حسنين مخلوف رحمه الله: (وتذهب ريحكم): تتلاشى قوتكم أو دولتكم.

هذه الآية من الآيات المهمة في حياة المسلمين، فبعد أن أمرهم الله سبحانه وتعالى بالثبات عند لقاء العدو، «يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلكُمْ تُفْلِحُونَ» (الأنفال 45)، أمرهم بطاعة الله وطاعة رسوله، ويندرج تحت هذه الطاعة في حال موت رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثال أوامره وهديه وطاعة إمام المسلمين، فالطاعة واجبة إلا في المعصية، ثم يدل الله عز وجل المسلمين على طريق عزتهم وكرامتهم وصون دولتهم وقوتهم فيعلمهم فقه الوحدة والألفة والسعة وينهاهم عن الشقاق والنزاع المؤدي إلى زوال عزتهم ودولتهم «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (الأنفال 46).

– فكل مأساة سياسية واقتصادية وحربية وعلمية في حياة المسلمين يقف خلفها الاختلاف المَرَضي (بفتح الميم والراء) والتنازع المفضي إلى الفشل والبعد عن منهاج الله تعالى في الوحدة والسعة.

– فأول فتنة وشقاق النزاع حدث بين المسلمين هي الفتنة الكبرى التي وقعت عند قتل سيدنا عثمان رضي الله عنه وما تبع ذلك من خلاف وشقاق بين أبناء الأمة أدى إلى تحويل الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض وما حدث بعد ذلك من انشقاق المسلمين إلى فرق، فقد نجحت القوى الحاقدة على الإسلام، المتسللة إلى صفوف المسلمين في شق المسلمين وصدعهم فظهرت (الفرق)، وعمل ذلك على تبديد طاقة المسلمين المادية والعسكرية والفكرية بتوجيهها إلى داخلهم في صراعات دينية، كما ظهرت فرق أخرى، كالمرجئة والجهنية والمعتزلة وغيرها، أقلقت بال المسلمين وشغلتهم (حاضر العالم الإسلامي وقضاياه المعاصرة، جميل المصري (ص47) ).

– فقد أفلحت النعرات السياسية في تصعيد بعض المتناقضات وتعميق روح الخلاف، فأدت إلى الصدع بين الزعامات، وجاء القرن الرابع الهجري فكان في العالم الإسلامي ثلاثة خلفاء: الخليفة العباسي الشرعي في بغداد، والخليفة الفاطمي في مصر، والخليفة الأموي في الأندلس، وهذا أدى إلى اهتزاز ثقة المسلمين بالخليفة، ثم هانت عليهم الخلافة، وطمع العدو الخارجي في العالم الإسلامي (المرجع السابق (ص47).

– ترتب على نزاع المسلمين وفشلهم توقف الفتح الإسلامي وتقسيم الأندلس إلى دويلات (طوائف)، ثم إزالة دولة المسلمين من الأندلس إلى الآن.

– ونزاع المسلمين وانشقاقهم أدى إلى سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية وتقسيم العالم الإسلامي إلى دويلات واحتلال المستعمر للمسلمين.

– كما ضاعت فلسطين من المسلمين واضطهدوا في الهند والصين وأفغانستان وإندونيسيا وفي أوروبا الشرقية، والدول التي احتلها الاتحاد السوفيتي، وإفريقيا، وقسم الاستعمار المسلمين إلى دويلات متنازعة فاشلة.

– نجح الاستعمار الأوروبي في تفتيت وحدة الدول العربية إلى دويلات متنازعة على الحدود الاستعمارية مما أدى إلى ضعف الدول العربية.

– كما نجحت أمريكا ودول التحالف الأوروبي في إثارة الفتنة الطائفية المذهبية والعرقية في العراق، وقتل المواطنين على المذهب والمنطقة والاسم.

– والفتنة الآن في سوريا ولبنان والصومال واليمن والسودان وليبيا.

إذن لو فقهنا قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (الأنفال 45-46). لاختفت العديد من المشكلات الحالية من حياتنا.

– فلا نجاح مع التنازع المفضي إلى الفشل وضياع الدولة والقوة.

– لذلك وجب علينا نشر فقه الاختلاف والسعة والأخوة والتعايش والطاعة حتى لا نتفتت أكثر من ذلك، وعلينا تدريس فقه الأمة الواحدة والمحبة الإسلامية والجسد الموحد لأبنائنا.

– علينا بناء مناهج دراسة في التعليم العام والجامعي في فقه الأخوة والمحبة، وأدب الاختلاف والسعة وطاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر وفقه الفتنة وخطورة الفتنة على ضياع القوة والدولة والأخوة والأمن والأمان. (وللحديث بقية بإذن الله).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع الصائمين – العدد ١٥٠٣١ – الثلاثاء ٢١ مايو ٢٠١٩م ، الموافق ١٦ رمضان ١٤٤٠ هـ