الأمناء ناجحون في حياتهم الخاصة والعامة ومحبوبون من الجميع، (فالأمانة خلق ثابت في النفس (البشرية) يعف به الإنسان عما ليس له به حق، وإن تهيأت له ظروف العدوان عليه من دون أن يكون عرضة للإدانة عند الناس، ويؤدي ما عليه أو لديه من حق لغيره وإن استطاع أن يهضمه من دون أن يكون عرضة للإدانة عند الناس) (نضرة النعيم، مرجع سابق ص 509).

فالأب الأمين ناجح في أسرته ومع جيرانه الكل يقدره ويحترمه ويبرونه ويفرحون لفرحه ويحزنون لحزنه ومرضه، والمعلم الأمين: ناجح في عمله، يحبه طلابه ويحترمونه ويدعون له ويقدرونه، يعد دروسه الإعداد المتميز، ويبحث عن الجديد في مجال عمله، ويحكم بين طلابه بالعدل، ويبارك الله تعالى له في أبنائه وأمواله.

 والطبيب الأمين مجتهد في الوقوف على آخر المستجدات العلمية في مجال تخصصه، محبوب من مرضاه ومن معارفه وزملائه، أمين على أسرار مرضاه، رحيم بهم يحبهم كما يحبونه ويرتاح المرضى لمجرد رؤيته.

 والتاجر الأمين محبوب من زبائنه يثقون في بضاعته ويقبلون على التعامل معه ويبارك الله تعالى له في رزقه وذريته.

 والطالب الأمين مجتهد في تحصيل دروسه، مبدع في دراسته، محبوب من والديه ومعلميه، لا يحب الغش ولا الغشاشين، متميز في نتائجه والمستقبل أمامه مضيء.

 والزارع الأمين لا يستخدم الكيماويات المضرة في زراعته، ويحرص على صحة المستهلكين حرصه على صحة أسرته وأحبابه، يطور زراعته ويحسن أصنافها ويهتم بها ويخرج زكاة زرعه يوم حصاده.

 والحاكم الأمين محبوب من شعبه يعمل على راحتهم ويحرصون على الدعاء له وتقديره يوفقه الله تعالى في حكمه ووقته وصحته.

 وهكذا الأمين في الصناعة والمحاسبة والمحاماة والقضاء والهندسة محبوب من الله ومن العباد، من هنا كان الأمين عنصرا من عناصر الحياة السعيدة المطمئنة ينشر الأمن والأمان في مجتمعه ويبارك الله تعالى له في ذريته.

 والمواطن الأمين عنصر مهم في تقدم بلده ورفعته وأمنه وأمانه.

 والإعلامي الأمين عنصر ينشر الحب بين الناس ويبصرهم بما ينفعهم ويحذرهم مما يضرهم ويقلقهم، يحافظ على أمن وأمان المجتمع.

 قال ابن الجوزي رحمه الله: إن الأمانة في القرآن الكريم على ثلاثة أوجه:

 أحدها: الفرائض ومنه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) (الأنفال 27).

 الثاني: الوديعة ومنه قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء 58).

 الثالث: العفة (والصيانة) ومنه قوله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (القصص 26). (المرجع السابق ص 511).

 ونحن نضيف إليه: إحسان العمل وإتقانه ومنه قول الله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الكهف 7)، إنها أمانة الاستخلاف في الأرض وتعميرها بالعمل المتقن الحسن قال تعالى: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف 55). فقد علم سيدنا يوسف من نفسه الحفظ وأداء الأمانة والعلم بحفظ الطعام وتخزينه وصيانته وتوزيعه، وهذا من الأمانة في الوظيفة وأداء العمل الموكل به، وما أحوجنا إلى هذا النمط من الوزراء والمديرين والمتنفذين لذلك قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ  نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف 56). مكن له الأرض بعلمه وأمانته وأخلاقه الحسنة ومراقبته لله في كل أعماله. وحفظ الأمانة يؤدي إلى الفلاح والنجاح قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (المؤمنون 8). والأمانة تزكي الإنسان لتقلد المناصب والأعمال قال تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (القصص 26). ومن الهدي النبوي في أداء الأمانة قوله صلى الله عليه وسلم: (أدِّ الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك) (رواه الترمذي وقال حسن غريب).

 وعن أبي ذرارة عدي بن عميرة الكندي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من استعملناه على عمل، فكتمنا مخيطًا فما فوق كان غُلولاً يأتي به يوم القيامة…) وقال صلى الله عليه وسلم: (من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره فما أُتي منه أخذ، وما نهى عنه انتهى) (رواه مسلم واللفظ له).

 هذا درس نبوي للموظفين الحكوميين والمتنفذين أن يحافظوا على ما استؤمنوا عليه فسيأتي يوم القيامة حاملاً ما غله من أموال الشعب أمام الجميع وعجبًا لأقوام سيأتون يوم القيامة يحملون عمارات وبنايات على ظهورهم ويحملون أجهزة ثقيلة وحيوانات لها رغاء على ظهورهم، يا له من موقف مُخزٍ مخيف فاضح، وعندما علم المسلمون ذلك أطفأ عمر بن عبدالعزيز سراج الدولة عندما انتهى من حسابات الدولة، وأشعل سراجه الخاص ليجلس مع ضيفه، وبذلك استطاع أن يصلح حال الرعية في أقل من عامين ونصف العام، وهذا ما فشل فيه حكام استمروا في حكم بلادهم أربعين سنة فأورثوها الفقر والذل والعياذ بالله.

 ومن فوائد الأمانة أن بها يحفظ الدين والأعراض والأموال والأجسام والأرواح والمعارف والعلوم والولاية والوصية والشهادة والقضاء والكتابة، ومجتمع تتفشى فيه الأمانة مجتمع خير وبركة (موسوعة نضرة النعيم مرجع سابق ص 524).

 والأمانة من دعائم النجاح للفرد والمجتمع وهذا ما يجب أن نربي أنفسنا وأبناءنا عليه. (وللحديث بقية بإذن الله).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع الصائمين – العدد ١٥٠٢١ – الخميس ٠٩ مايو ٢٠١٩م ، الموافق ٤ رمضان ١٤٤٠ هـ