– العمل الصالح بمعناه الشامل من الدعائم الرئيسة للنجاح في الحياة الدنيا والفوز في الآخرة. فما هو العمل؟!

– العمل: كل جهد يبذله الإنسان سواء كان ماديًا أو معنويًا، فكريًا أو جسديًا متصلاً بشؤون الدنيا أو بشؤون الآخرة (عبدالعزيز الخياط: نظرة الإسلام للعمل وأثره في التنمية (ص 7) نقلاً عن قيمة العمل في الإسلام وفي الفكر الوضعي أحمد بشير جالو) (ج 1) (ص 51).

– والقرآن الكريم يحث على العمل بصيغة الأمر وتتنوع صيغ عناية القرآن بالعمل بتنوع الأعمال والعمال، ويتكرر هذا الحث إلى الدرجة التي توحي بأن القرآن الكريم دعوة للعمل فحسب، ومن هذه الآيات قول الله تعالى: (وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ) (التوبة 105). وجاء في تفسير هذه الآية: أي وقل لهم أيها الرسول اعملوا لدنياكم وآخرتكم لأنفسكم وأمتكم، فالعمل هو مناط السعادة، لا الاعتذار عن التقصير، ولا دعوى الجد والتشمير، وسيرى الله تعالى عملكم خيرًا كان أو شرًا، فيجب عليكم أن تراقبون الله في أعمالكم وتتذكروا أنه عليم بمقاصدكم ونياتكم، فجدير بمن يؤمن به أن يتقه في السر والعلن ويقف عند حدود شرعه، وسيراه رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون وهم شهداء على الناس (أحمد مصطفى المراغي، تفسير المراغي) (عن المرجع السابق).

– قال مجاهد رحمه الله: (هذا وعيد – يعني من الله- للمخالفين أوامره بأن أعمالهم ستعرض عليه تبارك وتعالى وعلى الرسول صلى الله عليهم وسلم والمؤمنين) (عن الحافظ بن كثير).

– ومن مظاهر اهتمام القرآن الكريم بالعمل، الآيات الدالة على تذليل الأرض بحيث تكون ملائمة لسعي الإنسان وانتشاره فيها، بل تمكينه من السيطرة عليها وتسخيرها لخدمته، ومن هذه الآيات قول الله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرضَ ذَلُولاً فَامشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزقِهِ  وَإِلَيهِ النُّشُورُ) (الملك 15) أي: إن ربكم هو الذي سخر لكم الأرض وذللها لكم فجعلها (متزنة لا تميد بكم ولا تضطرب بما جعل فيها من الجبال وقوى الطرد والجذب) وأوجد فيها الأنهار والعيون لسقيكم وسقي أنعامكم وزروعكم، وسلك فيها السبل فسافروا حيث شئتم من أقطارها وكلوا مما خلق لكم فيها بفضله من واسع الرزق، فالسعي في السبب لا ينافي التوكل، وفي الآية إيماء إلى ندب التجارة والتكسب بجميع ضروبه. (انظر تفسير ابن كبير وتفسير المراغي (نقلاً عن المرجع السابق).

– ومن مظاهر اهتمام القرآن الكريم بالعمل الآيات الدالة على اقتران العمل الصالح بالإيمان وجزاء ذلك العمل عند الله تعالى، قال تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُم جَنَّاتٍ تَجرِي مِن تَحتِهَا اللأنهَارُ) (البقرة 25).

– وقوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوفِهِم أَمنًا  يَعْبُدُونَنِي لا يُشرِكُونَ بِي شَيئًا  وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) (النور 55).

– وقد ذكر القرآن الكريم الإيمان مقرونًا بالعمل في أكثر من سبعين آية، ولم يكتف بمجرد العمل ولكنه يطلب عمل الصالحات، وهي كلمة جامعة من جوامع القرآن الكريم تشتمل كل ما يصلح به الدين والدنيا، وما يصلح الفرد والمجتمع وما تصلح به الحياة الروحية والمادية معًا وهذا ما يتيح للإنسان حياة الآمن والرخاء والقوة والكرامة والطمأنينة (انظر قيمة العمل في الإسلام (مرجع سابق) (ص 88)).

– وعندما تعلم المسلمون قيمة العمل ومجالاته الواسعة أنتجوا وأبدعوا في الأمور الدنيوية وعملوا بالإسلام من أخلاق وأحكام فبرعوا في العلوم الكونية والعلوم الشرعية وأضاءوا الدنيا بمخترعاتهم ومكتشفاتهم وشيدوا حضارة علمية خلقية أضاءت الدنيا في وقت كان الظلام الدامس يلف الدنيا من مشرقها إلى مغربها ومن شمالها إلى جنوبها، وأصبحنا سادة الدنيا وظللنا على هذا الحال أكثر من ألف عام إلى أن دب الوهن في نفوس المسلمين ولعب أعداء الله في تربيتهم وعقولهم ومزقهم أعداؤهم وأتلف تربيتهم فحصروا العمل الصالح في التسبيح والصلاة والصيام والعمرة وأخرجوا منه تعمير الأرض والزراعة والصناعة والتجارة والتربية والتعليم والتشييد والبناء والبحث العلمي، وهجرت العلوم الكونية بالكلية بل اعتبرها البعض من وساوس الشياطين وقال أحدهم:

كل العلوم سوى القرآن مشغلة

إلا الحديث وإلا الفقه في الدين

العلم ما كان فيه قال حدثنا

وما سوى ذلك وسواس الشياطين

وغرسوا هذا الفهم القاتل في عقول أبناء المسلمين فتركوا كليات الطب والهندسة والعلوم والزراعة واتجهوا إلى بيع الكتب والعطور والمساويك، وتخلفنا علميًا وتقنيًا وعسكريًا وحضاريًا، وجاء الأعداء واحتلوا بلادنا بالبندقية والمدفع والصاروخ وأسلحة التدمير الشامل فهرع المسلمون إلى المساجد لقراءة صحيح البخاري وكانت النتيجة مأساوية كل ذلك للفهم الخاطئ لأهمية العمل الصالح بمفهومه الشامل لأمور الدنيا والدين. (وللحديث بقية بإذن الله).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع الصائمين – العدد : ١٥٠١٩ – الثلاثاء ٠٧ مايو ٢٠١٩م ، الموافق ٢ رمضان ١٤٤٠ هـ