ليس المهم أن تكون ناجحًا في حياتك، ولكن الأهم أن ينجيك هذا النجاح في الدنيا والآخرة، فكم من متفوقين ناجحين في عملهم ساقهم نجاحهم وانبهارهم بأنفسهم والمعجبون من حولهم إلى الإلحاد والكفر وإنكار الإبداع والتدبير والإتقان الإلهي للخلق، وللأسف انخدع بنجاحهم العلمي شباب الدول المتخلفة علميا وتقنيا ونحوه في الإلحاد وإنكار الخالق سبحانه وتعالى، وربطوا بين إلحادهم وتفوقهم العلمي وتخلفنا العلمي والتقني وإيماننا بوجود الخالق سبحانه وتعالى، لقد فتنوهم بما حققوا من إنجازات مادية في مجال تخصصهم العلمي.

وكم حاكم أعطاه الله تعالى الملك ففتن وبذل جهده لفتنة شعبه وإبعاده عن الصراط المستقيم والتمسك بالدين وبذل كل جهده لصرف الناس عن دينهم، فتعرت النساء، وأغلقت دور العبادة، وسعرت الشهوات.

وكم من شاب أنعم الله تعالى عليه بالصحة والقوة فنسي ربه سبحانه وتعالى وسار في طريق الإلحاد والكفر والاستهزاء بالدين، وبذل كل جهده على وسائل الاتصال الاجتماعي للدعوة إلى الإلحاد.

وكم من حاصل على الجوائز العالمية أغرته النساء واندمج معهم ومارس معهم الفواحش وصار أنموذجًا للناجح المنحرف، وكم من رجل فتن الناس بجماله وجاهه ونعم الله عليه كما فعل قارون الذي طغى بماله وجاهه ومكانته الاجتماعية، «فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ» (القصص 79).

أما الناجحون الناجون فقد أعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأسباب نجاتهم فقال صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) رواه البخاري ومسلم بترتيب وألفاظ مختلفة.

هؤلاء هم الناجحون الناجون في الدنيا والآخرة، وفي هذا الحديث يبين الرسول صلى الله عليه وسلم ما أعده الله سبحانه وتعالى لسبعة من عباده المؤمنين (الناجحين الناجين) الذين صفت عقيدتهم وزكت نفوسهم وراقبوا الله تعالى في سرهم وعلانيتهم وصدروا في جميع أعمالهم عن رهبة من الله وخوف من عقابه وطمع في ثوابه، فهم يوم القيامة (يوم الفزع الأكبر) في كنف الله وحياطته حيث لا ناصر لهم ولغيرهم ولا معين إلا رب العالمين كما ورد في الأدب النبوي (المرجع السابق) (ص366).

أولهم: الصنف الأول من الناجحين الناجين رجل ولّاه الله سبحانه وتعالى إمامة المسلمين فسار بهم نحو الرقي والتقدم والبناء والعمران والاكتفاء الذاتي في الطعام والسلاح والدواء وارتقى بالتعليم المتميز واستغل خيرات البلاد لتحسين صحة المواطنين وعلمهم وأمن البلاد واطمأنت فأنتج الكل وعمل في أمن وأمان وعدل بين الرعية لا فارق بين غني وفقير في إعطاء الحقوق وأحب شعبه وأحبه شعبه وسار على هدية كل رئيس عمل ومنتقد في مؤسسات الدولة هذا من الناجحين في الدنيا الآمنين في الآخرة يوم الفزع الأكبر يظلهم الله تعالى برحمته ورعايته يوم لا ظل إلا ظلة.

وثانيهم: شاب في ريعان الشباب ترك المعاصي والشهوات والسلوكيات الباطلة فتفرغ لتحصيل العلم النافع، وتعلم صنعه وامتهن مهنة يكتسب منها بالحلال وعف نفسه وسخرها لخدمة الضعفاء فظله الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

وثالثهم: رجل عرف قدر الله سبحانه وتعالى، وترك الرياء والشهرة فكان كلما سمع القرآن الكريم وحيدًا وبعيدًا عن الناس، وتذكر نعم الله عليه فاضت عيناه من الدمع حبًا لله تعالى وخشية من عذابه وتقديرا لقدر الله وعظمته فأظله الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

ورابعهم: من حببت إليه المساجد يعمرها ويعلم الناس فيها ويحبب الأطفال والشباب في المساجد، وفعَّل دور المسجد وجعله مركزًا للتعليم والتعلم ونشر العلم النافع وانطبق عليه قول الله تعالى: «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ» (التوبة 18)، عمر مساجد الله وعمر الإيمان قلبه واستوى سلوكه على شرع الله فهداه الله في الدنيا وهداه في الآخرة فأظله بظله يوم لا ظل إلا ظله.

وخامسهم: رجلان اجتمعا على حب الله وفعل الخير في الدنيا فأحبهما الله تعالى لإخلاصهما في حبهما الله تعالى، وجمعهما الله تعالى يوم القيامة في ظله ورعايته، ولم يفرقهما بل أتم عليهما النعمة وجمعهما في الجنة على سرر متقابلين.

 وسادسهم: من الناجحين الناجين في الدنيا والآخرة: رجل دعي إلى الفاحشة وتزينت له امرأة فازدادت جمالاً على جمالها وأغرته بأموالها وجاهها فتذكر الله تعالى بقوته ورحمته وعذابه فقال لها في وجهها: إني أخاف الله رب العالمين كما قال سيدنا يوسف لامرأة العزيز يوم تزينت له ودعته إلى المعصية وهددته بالسجن فقال: (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ* قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلى مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ *فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (يوسف 32-34).

 إنه أنموذج الشاب المعتصم بالله الذي دعته امرأة ذات منصب وجمال وجاه فقال إني أخاف الله رب العالمين فصرف الله عنه كيدهن وفاز ونجح في الدنيا، ونجا من العذاب في الآخرة وأظله الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، إنه أنموذج العفيف الناجح الناجي.

وسابعهم: رجل أتاه الله تعالى المال فأنفقه على المحتاجين وفي سبل الخير وهو متأكد من ثواب الله وابتعد عن الشهرة والصيت والنفاق والدعايات الكاذبة فأظله الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وبارك في إنفاقه وانطبق عليه قول الله تعالى: «وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فإن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» (البقرة 265)، ونجاه الله تعالى من قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (البقرة 264).

الصنف الأول من المنفقين نجح ونجا بالإنفاق في سبيل الله بإخلاص وصواب، والصنف الثاني من المنفقين المرائين فلم ينجح وهلك ولم يقبل الله منه وكشفه أمام العباد في الدنيا والآخرة.

الأول في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله فهو من الناجحين الناجين.

والثاني من الخاسرين الهالكين (وللحديث بقية بإذن الله).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – مع الصائمين – العدد ١٥٠٢٢ – الجمعة ١٠ مايو ٢٠١٩م ، الموافق ٥ رمضان ١٤٤٠ هـ