الزهرة من أجمل الأجزاء في النباتات الزهرية وهي تدل دلالة قاطعة على الإبداع والإحكام والعلمية الفائقة في وجودها وتركيبها ووظيفتها، وتدل دلالة قاطعة على الصفات الربانية الفريدة للخالق سبحانه وتعالى فهي مبنية على علم وحكمة حيث الأوراق الزهرية المرتبة من الخارج إلى الداخل بإحكام ودراية وعلم ولا وجود للعشوائية في ترتيب وشكل ووظيفة هذه الأوراق.

ففي الخارج يوجد المحيط الزهري (السبلات) المناط به الحماية للمحيطات الداخلية، ولذلك نراه أخضر اللون ليتخفى وسط الخضرة العامة في أوراق النبات، ووريقاته تكون خشنة الملمس عادة ومشعرة من دون رائحة وحوافها قد تكون مسننة حامية للأوراق الرقيقة الداخلية، وأثناء نمو البرعم الزهري فإن هذه الوريقات تحيط بباقي تراكيب الزهرة وتغلفها كما نفعل مع المنتجات عند تغليفها لحمايتها من العوامل البيئية والحيوية الخارجية، وبناء عليه فإن الموجد لهذا المحيط الخارجي المسمى بالسبلات لا بد ان يكون عليمًا خبيرًا مبدعًا رحيمًا، لذلك فالخالق سبحانه وتعالى من صفاته العليا واسمائه الحسنى العليم الخبير الرحيم اللطيف، وكل هذه الصفات تجلت في المحيط الخارجي للزهرة النباتية تركيبًا وشكلاً ووظيفة.

ننتقل إلى المحيط التالي من الخارج حيث نجد الرقة في التركيب والجمال في الألوان والعظمة في الترتيب، والقيام بالوظيفة المناطة بهذا المحيط من جذب للإنسان والحيوان للعناية بالأزهار وزراعتها ورعايتها والتمتع بها والاستفادة الطبية والغذائية والجمالية بأوراق هذا المحيط الجميل، وهذا المحيط يدلل دلالة قاطعة على أن الموجد جميل يحب الجمال خبير يعلم وظائف هذا المحيط،عليم رتب هذا المحيط وأعطاه ما يهيئه للقيام بوظيفته الحيوية والفيزيائية والكيميائية والبيئية خير قيام، والباحث العلمي لهذا المحيط يجد الإتقان في الصنع والإبداع في الترتيب والتركيب والوظيفة، ومن أعجب ما في بعض أوراق هذا المحيط البتلي تلك المسارات والعلامات الإرشادية والمرورية التي أوجدها المبدع الخالق على تلك البتلات لتدل الحشرات وبعض الطيور إلى مكان الرحيق في الزهرة، وعندما قام بعض الباحثين بإخفاء هذه العلامات الإرشادية تاهت الحشرات ولم تصل إلى الرحيق، لذلك فالموجد لهذا المحيط البتلى الجميل المبدع الرقيق عقلا يتميز بالعلم والحكمة والإبداع والرحمة بالمخلوقات فكان الله سبحانه وتعالى عليمًا حكيمًا هاديًا بديعًا في خلقه للزهرة.

وعندما لا تحتاج الزهرة إلى التلقيح الحشري تغيب تلك المحيطات وتستبدل بغلاف أخضر غير مميز إلى سبلات وبتلات بل رتبت تلك المحيطات لتكون مسارات للتيارات الهوائية الحاملة لحبوب اللقاح والموصلة لها إلى مكان عملها لتلقيح الزهرة فهل يمكن أن يكون ذلك وجد بالمصادفة وبعشوائية ودون حكمة؟!

ويلي هذه الأغلفة والمحيطات الخارجية للزهرة التراكيب التي تقوم بعملية التلقيح الزهري والإخصاب حيث الطلع المنتج لحبوب اللقاح اللزجة أو خشنة الغلاف لكي تلتصق بالشعيرات الموجودة على جسم الحشرات لتنقلها من عضو التذكير الزهري إلى عضو التأنيث، وزيادة في الجذب الحشري وباقي الملقحات تنتح الزهرة الرحيق ذا الرائحة الجذابة والطعم اللذيذ والفوائد الغذائية الكثيرة، وعندما تستغني الزهرة عن التلقيح الحشري أو الإنساني أو باقي الملقحات الزهرية فإن عضو التذكير في هذا النوع من الأزهار يعطي حبوب اللقاح خفيفة الوزن ملساء الغلاف عديدة الأعداد لتملأ الهواء بحبوب اللقاح وهذا يقع تحت قول الخالق سبحانه وتعالى (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه (50). فالله سبحانه وتعالى أعطى كل شيء خَلقه وأوجده في هذا الوجود أعطاه ماهيته وخصائصه وصفاته اللازمة لحياته، ثم هداه كيف يستعمل تلك الصفات والخصائص للمحافظة على حياته لذلك فالموجد لأعضاء التذكير في الزهرة النباتية لا بد أن يكون عليمًا خبيرًا هاديًا قادرًا على معرفة الموجودات وتركيبها وتسهيل وظيفتها في هذه الحياة، والعجيب إن حبوب اللقاح تنتقل من أعضاء التذكير إلى أعضاء التأنيث لكل الأزهار التي يصل إليها الهواء المحمل بحبوب اللقاح والحشرات المحملة بها، ولكن لا تلقح أزهار النوع من نفس الجنس إلا حبوب اللقاح من نفس النوع وهذا مهم للحفاظ على الأنواع والأجناس النباتية دون تغيير أو تعديل وراثي، فمن هدى تلك الحبوب المذكرة والأعضاء المؤنثة لهذا السلوك العجيب؟! بكل تأكيد تعجز المصادفة والعشوائية التي يؤكد عليها الدارونيون والملحدون تفسير هذا السلوك العلمي الدقيق والمعجز والعجيب، هذا السلوك يؤكدعلم الموجد ومقدرته الفائقة وتنظيمه الفريد لكل مخلوق في هذا الوجود.

وحتى لا يتم التلقيح الذاتي لبعض الأزهار الخنثى المحتوية على أعضاء التذكير وأعضاء التأنيث فإن أعضاء التذكير تنضج وتتفتح وتخرج حبوب اللقاح في مواعيد مغايرة عن قابلية التلقيح للأعضاء المؤنثة أو تكون في وضع تركيبي أسفل من عضو التأنيث والمكان المهيأ فيه لاستقبال حبوب اللقاح وبذلك لا يتم التلقيح الذاتي حتى لا تتدهور صفات الأجيال القادمة، وإذا سقطت حبة لقاح من جنس غير الجنس ومن نوع غير النوع فإن حبة اللقاح تعطي أنبوب اللقاح الذي يعجز عن مواصلة المسير في أنسجة جزء الزهرة الموصل للبويضات المسمى بالقلم (style) فلا يصل إلى البويضات فيفسد إنتاجها ويكمل المسيرة فقط أنبوب التلقيح لنفس الجنس أو النوع الزهري، وبعد التلقيح ووصول الأمشاج المذكرة في حبة اللقاح إلى البويضات الزهرية تبدأ المحيطات السابقة من كأس وتويج وأسدية مذكرة في الذبول والسقوط فقد انتهت مهمتها الحيوية ويبدأ تكوين الثمار والبذور فنرى العجب العجاب والإعجاز في نوع الثمار وألوانها وتركيبها وفوائدها، وبجولة في سوق الخضار والفاكهة وأسواق الحبوب والبذور والثمار يتأكد العاقل إن خالق كل هذا التنوع وهذا التباين وهذه المنافع رزاق عليم خبير لطيف ومن دون الأزهار والتلقيح والإخصاب ونضج الثمار ما وجدت المواد الغذائية للإنسان والحيوان والكائنات الحية الدقيقة. فهل تستطيع المصادفة والعشوائية والطفرة تفسير هذا التركيب العجيب للأزهار وعملية تلقيحها وإخصابها وتكشفها عن الثمار وتكوين محتواها الغذائي والدوائي من ثاني أكسيد الكربون الجوي والماء وضوء الشمس والمعادن والأملاح في التربة (بعملية البناء الضوئي).

لو اجتمعت مختبرات العالم، ولو اجتمع باحثوا العالم على إنتاج ثمرة تفاح واحدة من المكونات الأصلية لن يستطيعوا، فكيف نكفر بالخالق ونسند الخلق للطبيعة الصماء ويعجز الباحث العاقل على إنتاج هذا؟!.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) الحج (73).

لو خلق الملحدون والعَلمانيون (بقح العين) زهرة واحدة من المكونات البيئية بعيدا عن الخلايا الحية أو خلقوا ذبابة واحدة من مكوناتها البيئية دون استعمال خلية حية فسوف نقر لهم بعدم وجود الخالق سبحانه وتعالى، نحن نتحداهم، والقرآن الكريم يتحداهم، والخالق سبحانه وتعالى بصفاته العليا واسمائه الحسنى يتحداهم، والتحدي قائم إلى أن يخلقوا زهرة واحدة أو بتله واحدة أو ذبابة واحدة أو حبة واحدة أو ثمرة واحدة، وبما أن الملحدين غير قادرين إلى الآن على فعل ذلك فنحن مستمرون في عبادتنا للخالق الموجد المبدع القادر سبحانه (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه (50) ونحن نقول لهم «هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ» لقمان 11.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٤٦١٦ – الجمعة ٣٠ مارس ٢٠١٨ م، الموافق ١٣ رجب ١٤٣٩هـ