قال الله تعالى عن عسل النحل «فِيهِ شِفَاء لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَة لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ» (النحل: 69).

عسل النحل من الأغذية الكربوهيدراتية ذات الكفاءة العالية في توليد الطاقة؛ إذ يمد الجسم بسكري الجلوكوز والفركتوز وهما من السكريات الأحادية القابلة للتمثل الغذائي بمجرد وصولهما إلى الدم بعد امتصاصهما من الجهاز الهضمي. ويعتبر عسل النحل من الأغذية المهمة لكل من الأطفال والكبار على السواء، والتغذية على العسل تمنع التخمر الكحولي في المعدة ويرجع ذلك إلى سرعة امتصاصه، ووجود بعض الأحماض في العسل يحفز من امتصاص الدهون، ولا شك أن عسل النحل بتأثيره القاتل للبكتريا والثابت علميا يمتلك كثيرا من الخواص العلاجية وخاصة في حالات الجروح العادية والناتجة عن الحروق حيث يساعد على الالتئام للجروح بما فيه من مواد مغذية للأنسجة، كذلك يعمل على امتصاص الماء، ويعمل على تعقيم وتطهير الجروح ومنع التلوث، ويفيد بعد تخفيفه بتطهير العين، ويقتل البكتيريا المسببة لعفونة المعدة. (نحل العسل، محمد عباس عبداللطيف وآخرون، مرجع سابق، ص: 220).

وينتج النحل الغذاء الملكي، وهو الغذاء الذي تتغذى عليه يرقات الملكات في حياتها، ومن المؤكد أن هذا الغذاء يقوم بالدور المهم في تحويل اليرقة إلى ملكة ذات عمر طويل وذات جهاز تناسلي نامٍ بدلاً من أن تكون شغالة عقيمة ذات عمر قصير بالنسبة إلى الملكة. (المرجع السابق).

والغذاء الملكي فيه شفاء لأمراض عديدة ويستخدم في علاج العقم عند الإنسان وتأخير مظاهر الشيخوخة وغير ذلك من الأمراض، مصداقًا لقول الله تعالى: «فِيهِ شِفَاء لِّلنَّاسِ»، وقد اختتم الله سبحانه وتعالى الآية الخاصة بالنحل في سورة النحل بقوله تعالى: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَة لِّقَوم يَتَفَكَّرُونَ» (النحل: 69)، وهذا التفكير يستوجب دراسة حياة النحل وتركيبه التشريحي والوظائفي (الفسيولوجي) والمواد التي ينتجها وخصائص كل مادة وكيفية الاستفادة منها الاستفادة القصوى وسلوك النحل في الذهاب والإياب وداخل الخلية وخارجها والتنظيم البديع في حياة النحل وتقسيم العمل والتعاون والتراحم والتضحية والغذاء من أجل المجموع، وكيفية زيادة إنتاج النحل وتربيته ودوره في زيادة المحاصيل الزراعية واستخدامات منتجات النحل في الغذاء والدواء، وكل ذلك يحتاج إلى بحث علمي متقدم. وبنظرة إلى البحوث الخاصة بالنحل نجد التحقيق العملي والعلمي لقول الله تعالى: «إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَة لِّقَوم يَتَفَكَّرُونَ»، وهذه دعوة للملحدين ومؤيدي نظرية المصادفة والعشوائية في الخلق ليروا الإبداع والإتقان والهداية الإلهية في الخلق.

«يَخرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَاب مُّختَلِفٌ أَلوانُهُ»

أخبرنا الله تعالى في كتابه الكريم بمصدر عسل النحل والمكان الذي يخرج منه فيه وقيمته الغذائية والطبية، قال تعالى: «يَخرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَاب مُّختَلِفٌ أَلوانُهُ فِيهِ شِفَاء لِّلنَّاسِ» (النحل: 69)، فالنحلة السارحة الشغالة الجامعة للرحيق تذهب إلى المصادر النباتية للرحيق ومادته الخام من الأزهار وبعض الثمار الطرية المشتملة على السوائل كالدبس الموجود في ثمار النخيل الناضجة قبل جفافها ثم تدخل هذا المنتج إلى جهازها الهضمي وتفرز عليه الإنزيمات وبعض المواد الأخرى ثم تضع هذا السائل في عيون جمع العسل في الخلية وتقوم الشغالة بإنضاج هذا السائل وإضافة بعض المواد النافعة له ثم تكثيف الماء الزائد منه وتجهيزه وتحويله إلى عسل النحل ثم ختم العيون بالشمع، قال الأستاذ علي المصري (في كتابه مملكة نحل العسل ومنتجاتها، دار الكتاب العربي سوريا: دمشق، د.ط، د.ت، ص: 244): والعسل الذي نعرفه هو عسل النحل Apis mellifera، وبهذا نستبعد العسل المعروف باسم عسل الندوة لأنه لا يستخلص من غدد الرحيق النباتي بل من إفرازات بعض الحشرات كالمن والحشرات القشرية، ونفرقه عن العسل الناتج عن قصب السكر والبنجر والذرة والمواد النشوية الأخرى.

ويحتوي العسل على سكريات الدكستروز واللفيولوز والأخير هو الغالب في عسل النحل، ويحتوي على الأملاح المعدنية والأصباغ النباتية وبعض الإنزيمات «الخمائر» ويحتوي على حبوب اللقاح.

كما يحتوي على الغذاء الملكي وبعض الإفرازات الأخرى، وتختلف أنواع العسل في لونها وفي رائحتها وكثافتها باختلاف مصادر الرحيق، ويختلف لون العسل نتيجة امتصاص مكوناته بدرجات مختلفة متفاوتة لدرجات الضوء المختلفة، ويتراوح بين الفاتح الشفاف والأحمر الداكن والأسود، لكن اللون الأكثر شيوعًا هو اللون الأصفر الغامق والبني الفاتح، وقد وجد في مناطق من العالم عسل لونه أزرق لكن لا يعرف مصدره بالضبط. (انتهى).

وهذا مصداقًا لقول الله تعالى: «يَخرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَاب مُّختَلِفٌ أَلوانُهُ» (النحل: 69).

وقد وضعت سبعة ألوان قياسية تشمل الغالبية العظمى لألوان العسل في مجموعتين: الأولى خاصة باللون الأصفر الكهرماني بدرجاته وهذه الألوان هي على الترتيب: أبيض مائي، وأبيض ناصع، وأبيض، وأصفر فاتح جدا، وأصفر فاتح، وأصفر، وأصفر داكن، ومصدر الألوان في العسل يرجع إلى الصفات الطبيعية التي تنتقل إليه من الرحيق مثل الكاروتين والكلوروفيل ومشتقاته وكذلك الزانثوفيل بالإضافة إلى الألوان الناتجة من التفاعلات الكيماوية بين المركبات الداخلة في تركيب العسل. (نحل العسل، محمد عباس عبداللطيف، وآخرون، مرجع سابق، ص: 200).

وأما طعم العسل فمميز لاحتوائه على زيوت طيارة، وأحماض، وكحولات عالية.

وبالنسبة إلى تبلور العسل فأمر عادي كما قال الأستاذ علي المصري في مملكة نحل العسل: لأن العسل يميل عادة إلى التبلور، ولكن تختلف الفترة التي يتم فيها تبلوره باختلاف أنواعه، فبعضها يتبلور بسرعة بعد إنتاجه والبعض الآخر قد يستمر على هيئة سائل عدة سنوات.

وللمحافظة على العسل بصورة سائلة لأنه الشائع والمفضل عادة يجب أن يهتم بتنقيته جيدًا من الشوائب وتسخينه مدة نصف ساعة إلى درجة بين 60 و65 درجة سيليزية وفي وعاء مغلق. (انتهى).

ومن الأخطاء الشائعة بين الناس أن العسل الذي يبلور هو العسل المغشوش، كما أن تسخين العسل لمنع تبلوره يكسر بعض الإنزيمات والمواد المفيدة في العسل.

والحمد لله رب العالمين.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٤٦٠٢ – الجمعة ١٦ مارس ٢٠١٨ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخرة ١٤٣٩هـ