يدعي الملحدون أن القرآن الكريم من وضع البشر وقد تحدى الله سبحانه وتعالى في قرآنه الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن إذا زعموا أنه من كلام البشر وليس كلامًا منزلاً من لدن حكيم حميد فقال الله عز وجل: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (الإسراء: 88).

(ظَهِيرا) ؛ أي: معينًا.

ثم تحدى الله سبحانه وتعالى الذين ادعوا أن القرآن مُفترى أن يأتوا بعشر سور من مثله مفتريات، فقال الله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (هود: 13).

ثم تحداهم بأن يأتوا بسورة مثلة، فقال عز وجل: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (يونس: 38).

أي: إن كنتم صادقين في ادعاء أن البشر قادرون على الإتيان بمثله وأن محمدًا افتراه من عنده، ولم يوح به إليه.

وإعجاز القرآن وصف لكل جوانبه البلاغية، والفكرية، إذ هو في تشريعاته، وأخباره، وألوان تربيته، وبياناته لما كان أو ما هو كائن أو سيكون حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو لا ريب فيه، فهو من عند الله العزيز الحكيم العليم الحميد.

وقد أبان الله عز وجل إعجازه الفكري، بأنه حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: 41-42).

وبأنه يهدي للتي هي أقوم تربية وتشريعًا فقال عز وجل: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (الإسراء: 9-10).

وبأنه لو كان من عند غير الله لوجد الناس فيه اختلافًا كثيرًا بينه وبين الحق، وبينه وبين التي هي أقوم في التربية وفي التشريع، وبين بعض أجزائه وبعض إذا أنزل منجمًا مفرقًا على مدى ثلاث وعشرين سنة فقال الله عز وجل: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) (النساء: 82).

فدل بهذا على أن أي كتاب علمي وتوجيهي وخبري عن الماضي والحاضر والمستقبل وعن حقائق غيبية، لا يمكن أن يخلو من الاختلاف إلا أن يكون منزلا من عند الله، ولا يمكن أن يكون من تأليف بشري، فكون القرآن الكريم خاليًا من الاختلاف، وجه من وجوه إعجازه الدال على أنه من عند الله ولكن لا يكتشف ذلك إلا المتدبرون له. (براهين وأدلة إيمانية، عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني، المرجع السابق، ص: 273. بتصرف قليل جدًا).

(وَمِمَّا يَعرشُونَ)

إن أردت أن تشاهد عظمة الخالق في خلقه وتدبيره وإبداعه في مخلوقاته فما عليك إلا أن تدرس حياة نحل العسل أو تربيه لترى عظمة الخالق فيه فلا مكان في حياة النحل للمصادفة أو العشوائية التي يعتقد بها الداروانيون.

ومن تكريم النحل سميت سورة في كتاب الله الكريم بسورة النحل؛ قال تعالى فيها: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (النحل: 68)، ألهم الله سبحانه وتعالى النحل أن اجعلي لك بيوتًا في الجبال وفي الشجر وفيما يبني الناس من البيوت والسقف وخلايا النحل، وبنظرة علمية لبيوت النحل نجد أكثرها أمنًا وأمانًا من العوامل البيئية السيئة شقوق الجبال ومغاراتها، ويليها في الانتشار والوجود جذوع الأشجار الخاوية وفروعها، ثم يليها ما يبنى الإنسان من البيوت والسقوف والعروش وخلايا النحل البلدية والحديثة.

جاء في كتاب نحل العسل، محمد عباس عبداللطيف وآخرون: وتصميم وبناء الخلايا كانا ومازالا يعتمدان على المواد المحلية والمهارات اليدوية التي في متناول الإنسان في المجتمعات المختلفة فكل مجتمع يصمم الخلايا الملائمة لظروفه وإمكاناته (وَمِمَّا يَعرشُونَ)، فمثلاً في مناطق الغابات الشاسعة بأوروبا كانت الخلايا تصنع من جذوع الأشجار، وفي الشرق الأوسط حيث الجو الحار الجاف كانت الخلايا تصنع من الطين (clay) بأشكال مختلفة منها القدور (Pols) وهذه الطريقة ترجع إلى 5.000 سنة ق.م، ولا زال هذا النوع من الخلايا مستعملاً للآن في بعض البلدان، وفي مصر القديمة وبعض البلاد المجاورة صنعت الخلايا من الطين مختلطًا ببعض الخلايا الأخرى على هيئة أنابيب (Pipes) ولازال أيضًا هذا النوع مستعملاً، وفي البلدان الزراعية استعمل القش في صنع الخلايا التي عرفت باسم (skeps)، كل هذه الأنواع من الخلايا غير ملائمة، ولا تتمتع بمميزات الخلايا الحديثة، وكانت هذه الخلايا صغيرة الحجم حيث إن مربي النحل حينذاك لم يكن يطمع إلا في الحصول على قدر ضئيل من العسل. انتهى

وقد خطى العلم الحديث خطوات واسعة في تربية النحل وتعددت وتنوعت أشكال الخلايا ويمكننا حصرها في نوعين اثنين.

الخلايا القديمة أو التقليدية: وهي الخلايا المصنوعة من الطين والفخار أو من القصب كالسلال، أو من القش كالمراجين والجون أو من جذوع الأشجار وغيرها.

الخلايا الحديثة: وهي الخلايا الخشبية ذات الإطارات المتحركة والتي نراها معروضة في الأسواق وموجودة في المناحل الحديثة، وهي عامة تتكون من الغطاء الخارجي العلوي، والغطاء الداخلي والقطافات وجسم الخلية وقاعدة الخلية. (مملكة نحل العسل ومنتجاتها، علي المصري، دار الكتاب العربي، دمشق: سوريا، د.ط، د.ت).

(فَاسلكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا)

تستطيع شغالة النحل الخروج من الخلية والذهاب إلى البيئة المحيطة بها بحثًا عن الأزهار النباتية قد تقطع مسافة أحد عشر كيلو مترًا ثم تعود إلى الخلية، ويتم هذا في إعجاز معجز. قال تعالى: (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل: 69).

قالت الباحثة ليسلي في كتابها الشكل والوظيفة في نحل العسل: تقضي النحلة حوالي ساعة أو أكثر خارج خليتها سارحة بحثًا عن الغذاء وأثناء رجوعها. ومن غير الكافي أن توجه نفسها عند العودة للطريق العكسي لطريق الذهاب، آخذة في الاعتبار الزاوية الشمسية، لأن الشمس في هذا التوقيت يكون اختلف وضعها في السماء، وعلى أي حال، فقد أوضح سلوك النحل أنه قادر على تعويض حركة الشمس حيث يمكن لمعظم النحل أن يجد طريقه عائدًا إلى خلاياه حتى ولو كان الوقت الذي قضاه في السروح طويلاً، وتبين النحلة العائدة اتجاه المصدر التي حصلت منه على الغذاء بالرقص الاهتزازي.

ويدل هذا الرقص على أن زمن العودة كان مناسبًا للعودة مع أخذها في الاعتبار الفترة الزمنية التي قضتها منذ أن غادرت الخلية وأحيانًا يرقص النحل السارح في الخلية لفترة طويلة يتم خلالها تحرك الشمس لمسافة معنوية وفي هذه الحالة يمكن مشاهدة النحلة من اتجاهها وحركاتها الاهتزازية أنها تأخذ في الاعتبار التغير الذي حدث في الزاوية بين موقع الشمس ومصدر الغذاء. (المرجع السابق، ط 1. ص: 45. 2009. جامعة الملك سعود، المملكة العربية السعودية).

يصدر النحل الراقص ذبذبات صوتية خلال تهاديه في مشيته واهتزازاته بعمل ذبذبات صغيرة جدًا بأجنحته المضمومة على الجسم بمعدل قدره 200 إلى 300 دورة في الثانية وبحوالي 15 حس صوتي كل ثانية يحدث الصوت أيضًا خلال الرقص الدائري حيث يسبب درجة ميل الجسم حول حواف الجناح المهتز تذبذت تيارات الهواء حول بطن النحل الراقص وهنا يضبط معظم النحل التابع قرون استشعاره في هذه المنطقة ذات السرعة القصوى في حركة الجزئيات الدقيقة في الهواء، وفي خلال عدد قليل من المليمترات تتغير هذه الظروف القريبة من الحقلية. وفوق ذلك فإن تذبذات جزئيات الهواء تكون أقل قدرة بمقدار 200 مرة وترتبط فترة حدوث الصوت أثناء الرقص بمسافة مصدر الغذاء في حالتي الرقص الدائري والرقص الاهتزازي. انتهى (الشكل والوظيفة في نحل العسل، المرجع السابق، ص: 20).

وهكذا في إبداع وإتقان وتقدير يتحقق قول الله تعالى: (فَاسلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا) (النحل: 69).

فيذهب النحل ويتعرف موقع الأزهار ويعود إلى الخلية في إتقان ويسر وكل ذلك بوحي من الخالق سبحانه وتعالى، فماذا يقول الملحدون في هذا الإحكام وهذا الإبداع في الخلق؟

وهل بوجود مساحة للمصادفة في هذا العمل المتقن؟!!

والحمد لله رب العالمين..

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٤٥٩٥ – الجمعة ٠٩ مارس ٢٠١٨ م، الموافق ٢١ جمادى الآخرة ١٤٣٩هـ