يدعي البعض أن الشرك هو الأصل عند الإنسان، وقد نشأ معه وتطور بتطوره بحسب نظرية التطور، وهذا خطأ جسيم وقع فيه باحثو الغرب ومن اتبعهم من باحثي المسلمين، وقد فند د. حمود بن أحمد الرحيلي هذه الفرية في رسالته العلمية للدكتوراه من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وبعد الشرح بين أن التوحيد هو أصل الدعوة لله كما يأتي:

ما جاء بشأن لقمان في وصيته لابنه وتحذيره من الشرك، قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» [لقمان: 13].

ما ذكره الله تعالى عن إتصاف أهل الكهف بالتوحيد في قوله تعالى: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إذا شَطَطًا * هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا» [الكهف: 13-15].

وأثنى الله تعالى على مؤمن آل فرعون فوصفه بالتوحيد كما قال تعالى: «وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إلى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إلى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إلى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ * لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إلى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أصحاب النَّارِ» [غافر: 41-43].

كما أن الدين الذي بعث الله به رسله من أولهم إلى آخرهم إنما هو الإسلام.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وكان دينه الذي ارتضاه لنفسه هو دين الإسلام، الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل، ولا يقبل منه دينًا غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو دين الأنبياء وأتباعهم كما أخبر الله تعالى بذلك عن نوح ومن بعده إلى الحواريين. [الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، 1/11] انتهى..

الإسلام والحرية للمخلوقات

أضاف الشيخ الطاهر بن عاشور (رحمه الله) الحرية إلى المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، ولكن العقول الجامدة لا تقبل هذه الإضافة رغم أنها سمة أساس في دين الله، وقد كتب الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه حياة محمد صلى الله عليه وسلم كلامًا معبرًا عن الإسلام والحرية قال فيه: وأي شيء خير مما يدعو إليه محمد! أليس هو يدعو إلى الحرية، إلى حرية المطالبة التي لا حدود لها، إلى الحرية العزيزة على نفس العربي، عزة حياته عليه، نعم أليس يطلب الناس من التقيد بأي عبادة غير عبادة الله وحده، أليس يحطم كل ما بينهم وبينه من أغلال، لا هُبل ولا اللات ولا العُزّى ولا نار المجوس، ولا الحواريين، ولا أحدا من الأنس أو الملائكة أو من الجان يحجب بين الله والإنسان وأمام الله، أمامه وحده لا شريك له، يسأل الإنسان عما قدم من خير أو شر.

وأعمال الإنسان هي وحدها شفيعة، وضميره هو الذي يزن أعماله، وهو وحده صاحب السلطان عليه، وهو يحاسب يوم تجزى كل نفس بما كسبت، أي حرية أوسع من هذه الحرية التي يدعو محمد صلى الله عليه وسلم إليها، وهو يدعو أبا لهب وأصحابه إلى شيء من مثلها، أم هم يدعون الناس لتظل نفوسهم في رق وعبودية بما تكدس عليها من خُرافات حجبت عنها نور الحق أو ضياء الهدى؟

على أن أبا لهب وأبا سفيان وأشراف قريش وأمجادها، وأشراف المال وأمجاد اللهو، بدؤوا يشعرون بما في دعوة محمد من خطر على مكانتهم، فرأوا بادئ الرأي أن يحاربوه بالحط من شأنه، وبتكذيبه فيما يزعم من نبوته، وكان أول ما صنعوا من هذا أن أغروا به شعراءهم.

هنالك تقدم غير الشعراء يسألون محمدًا عن معجزاته التي يثبت بها رسالته. انتهى. [ص: 159-160. طبعة مهرجان القراءة للجميع، مكتبة الأسرة الأعمال الدينية، القاهرة: مصر، 2001م].

وقد جسد ربعي بن عامر أهمية الحرية أمام رستم قائد الفرس عندما سأله ما جاء بكم؟ قال ربعي: الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه. [انظر التاريخ الإسلامي، مواقف وعبر، عبدالعزيز بن عبدالله الحميدي، دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع، الإسكندرية: مصر، ج: 10، ص: 414، 1997م]. وبذلك تتجسد الحرية بوضوح في الإسلام، وقد كفل الإسلام الحرية للحيوان، فقد عذبت امرأة في هرة «قطة» سجنتها حتى ماتت لا هي أطعمتها أو وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. «هذا معنى حديث» [رواه البخاري].

كما أن الإسلام جعل للحيوان الحق في رفع الظلم عنه، قال مالك: إن عمر بن الخطاب مر بحمار عليه طوب لبن «أي طوب من طين غير محروق»، فوضع عنه طوبتين، فأتت سيدته صاحبة الحمار لعمر، فقال: يا عمر مالك ولحماري؟! ألك عليه سلطان؟ قال: فما يقعدني في هذا الموضوع. وقال عمر: لو أن بغلة بالعراق تعثرت لسئل عمر عنها لم لم يمهد لها الطريق. وقد رأى الفاروق رجلاً حمل بعيره ما لا يطيق فضربه وقال: لم تحمل بعيرك ما لا يطيق؟

وقال الماوردي رحمه الله في الأحكام السلطانية: إذا كان من أرباب المواشي من يستعملها في ما لا تطيق أنكره المحتسب عليه ومنعه منه، وبذلك كفل الإسلام الحرية للحيوان وحفظ حقوقه كما حفظ حقوق الإنسان والنبات والجماد.

فطرة الإيمان بالله

قال الدكتور أحمد الرحيلي في رسالته العلمية للحصول على درجة الدكتوراه من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: يعتبر القرآن الكريم أن معرفة وجود الله قضية فطرية في النفوس البشرية السوية وحقيقة بديهية لا تحتاج إلى جدال أو نقاش، فكل إنسان عاقل يدرك بنفسه هذه الحقيقة بما أودعه الله تعالى فيه من فطرة يحس بها، من دون الحاجة إلى منهج يسلكه لمعرفة ربه خالقه ورازقه.

والدلائل التي تحرك هذه الفطرة وتشير إلى وجود الله تعالى أكثر من أن تحصى، إنها تنبعث من كل شيء على وجه الأرض، بل ومن كل شيء في السماء، أضف إلى ذلك النظام البديع، والدقة المتناهية في صنع هذه المخلوقات، والترتيب في سيرها وحركتها، فيدرك الإنسان بعقله وبصيرته وعلمه أن هذا النظام وذلك الإبداع لا يمكن أن يحدث من غير محدث، أو يوجد من غير موجد، لأن تلك المخلوقات عاجزة عن إيجاد ذلك النظام الدقيق والتركيب المحكم من تلقاء نفسها.

لذلك فإن منهج القرآن الكريم ومسلكه في هذه القضية البدء بالفطرة، يوقظها ويذكرها بما هو مغروس في أعماقها ليجد أنها معترفة ومقرة بوجود الخالق العظيم وأنها في ذلك لا تحتاج إلى دليل.

قال تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ» [الأعراف: 172].

فالفطرة السليمة هي التي أوجدها الله تعالى في الناس كما قال تعالى: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» [الروم: 30].

تعرف ربها حقيقة، وتلوذ به وتلجأ إليه إذا مسها الضر، ولم تجد مغيثًا يغيثها، أو ناصرًا ينصرها غير الله عز وجل، قال تعالى: «وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إلى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا» [الإسراء: 67].

وقد أدرك الأعرابي بفطرته السليمة أن هذه المخلوقات العظيمة، من أرض وسماء وليل ونهار، وشمس وقمر، وإنسان وحيوان ونبات وكائنات حية أخرى وكواكب، ورياح، وسحاب، وغيرها تدل على الخالق تبارك وتعالى حيث قال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، أفلا تدل على الصانع الخبير. جزء من خطبة لقيس بن ساعدة [انظر البيان والتبيين للجاحظ، ص: 163].

وهذه الغريزة البرية وحدها، بل حتى الطير والجمادات وغيرها، قد فطرها ربها وخالقها على تسبيحه وتحميده، نطقًا لا يفهمه إلا الذي خلقها وأنطقها، قال تعالى: «تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا» [الإسراء: 44].

إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على معرفة الجمادات بربها وتسبيحها له. انتهى [انظر كتاب عبودية النبات لرب الكائنات الدكتور، فريد التوني والدكتور نظمي خليل أبو العطا، معهد الإمام الشافعي للدراسات الإسلامية، البحرين، ط: 1، 2010م].

والحمد لله رب العالمين.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد :١٤٥٦٠ – الجمعة ٠٢ فبراير ٢٠١٨ الموافق ١٦ جمادى الأول ١٤٣٩هـ