جاء الإسلام بالوحدة بين أمة التوحيد وأهل دين الله فقال تعالى: «وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ» (المؤمنون/52).

فالمسلمون أمة واحدة، أي جماعة واحدة وان تعددت طوائفهم ومذاهبهم، والمعنى الذي ينقدح في ذهن المسلم – إذا ذكرت كلمة الأمة – هو الأمة الإسلامية الواحدة، فهو الذي يخطر بالبال ويخطر بالعقل لأنها الأمة التي ينتمي إليها بحكم إسلامه (الأمة الإسلامية حقيقة لا وهم، يوسف القرضاوي، ص 7 – 8).

فالمسلمون جماعة واحدة على مدار التاريخ وان تعددت مذاهبهم وأعراقهم وجسد واحد تجمعهم كلمة التوحيد، وعقيدة الله وعبادة الله وحده قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }الأنبياء92. وبذلك يدخل الموحدون جميعا تحت مسمى أمة الإسلام من لدن آدم حتى هذه اللحظة وما بعدها، فالجميع مسلمون موحدون ولله عابدون، يقول الراغب الأصفهاني في مفردات ألفاظ القرآن: الأمة: كل جماعة أرسل إليهم رسول سواء آمنوا أو كفروا ولذلك فالمسلمون أمة واحدة وقد يدخل فيهم غير المسلمين الذين يعيشون معهم (أمة الدعوة) (المرجع السابق ص 10).

وبذلك جعل الله تعالى المسلمين أمة واحدة، قال تعالى « كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ » (آل عمران/110).

وقال تعالى: « وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ» (المؤمنون/52).

فالذين يريدون تفتيتنا إلى عرب وعجم، وسنة وشيعة، أمازيغ وعرب، وعرب وأكراد، وعرب وأتراك، وخليجيين وغير خليجيين، هؤلاء يتصادمون مع الإسلام جملة وتفصيلا ويدعون إلى ضلالة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «أن الله لا يجمع أمتي على ضلالة» (رواه الترمذي والطبري والحاكم)، فالذين يريدون تجميعنا على بدعة أو ضلالة أو ابتداع خاطئون ويتصادمون مع ما شاء الله لنا من الوحدة على الحق والهداية والدين الخالص.

فالأمة الإسلامية (الموحدة) حقيقة ولدت مع الإسلام ونمت بنموه واتسعت بانتشاره (كما قال الدكتور القرضاوي حفظه الله في المرجع قبل السابق).

وأمة الإسلام الموحدة والمتوحدة حقيقة بمنطق الدين، وبحقائق التاريخ والجغرافيا، وبمنطق الواقع، ومنطق العصر، وبمنطق الآخرين وبكل معيار (المرجع السابق ص 12 – 20).

فالمسلمون في نظر الدين أمة واحدة ذات شعوب متعددة بتعدد الأجناس و الأعراق واللغات والأماكن كما قال تعالى: «وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» (الحجرات/13).

فالذين يريدون تفتيتنا على أساس الشعوب والأجناس والأعراق واللغات والأماكن والمذاهب يتصادمون مع كل الحقائق السابقة ومنطقها.

فتعدد الشعوب في الأمة المسلمة لا يجعل منها مشكلة، إذا كان الإسلام هو الموجه لها والحاكم لتصرفاتها، فالإسلام يجانس الفوارق العرقية واللغوية والجغرافية والتاريخية بين هذه الشعوب بعقائده وقيمه (وثوابته) وأحكامه وآدابه، ويصهر الجميع في بوتقة واحدة و(سبيكة) معدنية واحدة، ويكون اختلافهم في هذه الحال اختلاف تنوع وإثراء وقوة، لا اختلاف تضاد وتصادم، فالانتماء إلى الأمة الإسلامية لا يلغي الانتماء إلى الوطن والقوم والطائفة، ولا ينكر الإسلام حب الإنسان لوطنه أو لقومه فهذا أمر فطري، والإنسان ينتمي إلى دوائر متعددة تتداخل وتتكامل ولا تتناقض (أو تتنافر) وكان الصحابة رضوان الله عليهم ينتمون إلى أقوامهم وقبائلهم بلا حرج، فسلمان الفارسي وهو من أهل البيت (كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم) وبلال الحبشي وصهيب الرومي (وعلي العربي)، (المرجع السابق ص 2).

وبذلك وحد الإسلام بين العربي والفارسي والرومي والمسلمين جميعا في أمة واحدة تجمعهم دار واحدة وإن تعددت الأوطان والأقاليم وكل وطن أو إقليم أو ولاية يكونون مجتمعا واحدا، تربطه آصرة واحدة، وهو مجتمع متكامل يضمن لكل مواطن فيه العيش الكريم العزيز والآمن ويكفل له الحرية والمساواة، وتكافؤ الفرص وحفظ الحقوق، إنه مجتمع التراحم والتكافل والتكامل والرخاء والأخوة والعمل الصالح والعلم النافع والقوة والجهاد وفضائل الأخلاق، مجتمع التقنية والإبداع والتعمير والإخلاص في العمل وإتقانه والالتزام به، مجتمع الأمر بالمعروف، (بالمعروف) والنهي عن المنكر (بالمعروف) مجتمع الأمانة والصدق والجسد الواحد (المجتمع المسلم كما بينه الإسلام في الكتاب والسنة، محمد علي الهاشمي ص8).

المجتمع المسلم تحفظ فيه حقوق وأرواح الإنسان وحرمة دم المسلم عند الله أكبر من حرمة الكعبة. مجتمع يؤمن الإنسان ولا يفضل عليه تأمين الجدران، مجتمع لا يقدس أجساد الأموات ويطلب منهم الصفح والرزق والولد والغفران، مجتمع دخلت فيه امرأة النار في هرة (قطة) حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، مجتمع دخلت فيه بغي (تمتهن البغاء) الجنة لأنها أشفقت على كلب فسقته فحمد الله صنيعها وأدخلها الجنة.

مجتمع يحفظ حقوق البنات والبيوت والأعراض والممتلكات، مجتمع الناس فيه أمة واحدة يسعى بذمتهم أدناها، أجارت فيه أم هانئ مشركا يوم فتح مكة أراد الإمام علي قتله , فقال لها المصطفى صلى الله عليه وسلم أجرنا من أجرت يا أم هانئ.
مجتمع قَبل فيه رسول الله توبة وحشي قاتل أسد الله سيدنا حمزة رضي الله تعالى عنه، وعفا عن هند زوجة أبي سفيان بإسلامها، مجتمع لا يطارد فيه الناس بما كانوا يفعلونه في الجاهلية، ولا يفضل فيه الناس بنسبهم كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم للسيدة فاطمة (والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها) (رواه البخاري).

وقال لحبه أسامة عندما أراد أن يشفع في المخزومية أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟

مجتمع لا يتم فيه القتل على الهوية والعصبية على المذهب والتعاون على الإثم والعدوان.

إن كنا فعلا نمثل الإسلام فعلينا أن نتمثل بقيم الإسلام من الصدق والوفاء بالوعد وعدم الغدر وعدم الكذب وعدم الخيانة والكيد للمسلمين بليل.

في المجتمع المسلم أبى سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه أن يتترس شباب المسلمين أمام بيته لقتل البغاة حتى لا تسيل قطرة دم واحدة في سبيله، فما بالنا نرى قادة وشيوخا ورجال سياسة يدفعون الشباب نحو الموت والتصادم مع أخوة لهم في الدين والعقيدة والوطن؟

وما بالنا نرى زعماء وقيادات تقتل شعوبها بالدبابات والمدفعية المضادة للطائرات والسيارات المصفحة لأنهم خرجوا بالمطالبة بالحرية والعدالة ولقمة العيش ؟!

علينا زراعة الحب بدلا من الكراهية، وزراعة المواطنة بدلا من الفتن المذهبية، وزراعة الصدق بدلا من الكذب، وزراعة التعايش بدلا من الفتنة. (المصدر كتاب تعايش وطني بلا فتن طائفية ومذهبية، نظمي خليل أبوالعطا موسى، ص 36).

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد(12110) الجمعة 17 جمادى الآخرة 1432هـ الموافق 20 مايو 2011م