من الخطط الخبيثة لعزل المسلمين عن الإسلام أن تغيب مفاهيمه الصحيحة، وثوابته الفاعلة، وأن يبتعد المسلمون عن فعالية الدين من دون أن يشعروا، وقد حذرنا الله سبحانه وتعالى من الوقوع في هذا المنزلق الخطير

فقال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) الكهف (103-104)، فأخسر الناس من غفل عن عمله السيئ وظن أنه يعمل الصالحات وهذا يدفع به إلى الخسران، وعدم الرجوع إلى الله والتوبة وعمل الصالحات، وكيف يتوب عن عمل يظن أنه من الصالحات والقربات إلى الله سبحانه وتعالى.

ومن الأخطاء القاتلة التي وقع فيها المسلمون فهمهم لمعنى الكبائر وحصرها في القتل، والزنا، والربا، وغير ذلك من المعاصي التي أوردها علماء الأمة في كتب الكبائر، وقد ألغت هذه الكتب أهم الكبائر التي أدت إلى تحطيم الأمة الإسلامية وتخلفها علميا وتقنيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا حتى أصبحنا نرى من يهدم ثوابت الأمة يصلي ويصوم ويحج ويعتمر وهو غافل عما يقوم به من أعمال فاسدة أفسد من الكبائر الواردة في كتب المؤلفين، وقد فطن بعض علماء الأمة حديثا إلى هذه السقطة القاتلة فطالبوا العلماء بإعادة النظر في الكبائر لتشمل تلك الكبائر الملغاة من كتب المؤلفين ودعوة الداعين ودروس المربين بما حصر الدين في جانب من جوانب الكبائر، وغفل عن تلك الكبائر التي أدت إلى هلاك المسلمين، وضياع قوتهم وزوال دولتهم وهيبتهم ورهبتهم، لذلك وجب التنبيه على ذلك قدر المستطاع.

أورد الإمام محمد أبو زهرة رحمه الله في تفسيره زهرة التفاسير عن شرحه لقوله تعالى: (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا) النساء(31)، أورد قول ابن عباس عندما قيل له الكبائر السبع، فقال ابن عباس رضي الله عنه: هي إلى سبعمائة أقرب وقال الإمام أبو زهرة رحمه الله: (وإنا إذا تتبعنا الكبائر التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم من غير إحصاء، نرى أنها قد اتسمت بسمتين إحداهما: أنها تهدم أمرا ضروريا من ضروريات المجتمع، فالزنا يهدم الأسرة، والقذف يهدمها ويشيع الفاحشة، وشرب الخمر يفسد العقل وهو ضروري للمجتمع، والسحر يفسد العلاقات الإنسانية، وعقوق الوالدين ينقض بناء الأسرة من قواعده وهكذا، والسمة الثانية: أن الاعتياد عليها يميت الضمير ويجعل النفس تمرن على الشر، ولذلك نقول: إن الكبائر هي المفاسد التي تهدم بناء المجتمع الفاضل) انتهى.

وإذا طبقنا المعايير التي وصفها الإمام أبو زهرة رحمه الله في تفسيره وجدنا أن هناك كبائر تهدم أمورا من ضروريات المجتمع، وأن الاعتياد عليها هو السبب الحقيقي والرئيس الذي أدى إلى وهن الأمة وتخلفها وضياعها.

ومن هذه الكبائر الملغاة ما يأتي:
إفساد التعليم وتحويله إلى مصمومات ومحفوظات، وإهمال القدرات العقلية العليا في التدريس والتعليم والتقويم، وإهمال إعداد المعلمين الإعداد المتميز، وتربية الإبداع والتفكير والعصف الذهني، وقد أدت هذه الكبيرة إلى ضعف الأمة علميا وتقنيا وتربويا واقتصاديا وتحول التعليم إلى الحصول على الشهادات الورقية، لذلك كان إهمال التعليم من أول الكبائر التي يجب أن نتجنبها ونعمل على إصلاحها لأنها أخطر من الزنا وعقوق الوالدين والتعامل بالربا وشرب الخمر وقتل النفس والتولي يوم الزحف، فإهمال التعليم يعطل العقول، ويضيع الأجيال ويجعل المسلم عرضة للعقاب الأليم في الآخرة.

ومن الكبائر الملغاة الاستهتار بالإصلاح السياسي وضياع الحريات العامة والخاصة وانتشار الفساد السياسي واللامبالاة باختيار الأصلح لتمثيل الأمة في المجالس النيابية والنقابات والجمعيات السياسية والمحلية، وقد أدى هذا إلى أن أصبح الفساد السياسي في حياة المسلمين صفة مقبولة وعدم المبالاة بخطورتها.

ومن الكبائر الملغاة من حياة المسلمين إهمال العمل وإتقانه والاهتمام به والبحث عن وظيفة إدارية أو صورية وتحقير العاملين، وبسبب إهمال العمل أصبحنا نأكل ما يزرع غيرنا، ونلبس من مصانعه، ونركب من إنتاجه، وانتشر الإهمال والكسل في العمل وتخلفنا تخلفا شديدا.

ومن الكبائر الملغاة الإهمال في البيئة الأرضية، ولذلك انتشرت المخلفات البيئية وأهملت النظافة وحماية البيئة من الملوثات والهدر، وقد نهانا الله عن ذلك فقال سبحانه: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصلاحهَا) الأعراف(85)، وقال تعالى: (وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) البقرة (60)، وبذلك نهى المولى عز وجل عن الافساد في البيئة الأرضية نهيا جازما.

ومن الكبائر الملغاة من حياة المسلمين والغائبة عن الدعوة والتربية والتعليم قتل الوقت وتضييع العمر في غير المفيد وعدم الالتزام بالمواقيت والوعود، وقد نسي معظم المسلمين أنه من الأسئلة التي يسأل عنها العبد يوم القيامة (عمره) فيما قضاه، ومنا من يقضي وقته على المقاهي وشرب الدخان ولعب الأوراق وقتل العمر، وهذه كبيرة غفل عنها هذا الصنف من المسلمين.

ومن الكبائر الملغاة من حياة المسلمين ومؤلفاتهم اهمال التقنية الحديثة وإنتاجها والاقتصار على استيرادها واستهلاكها من دون العمل على توطينها في بلاد المسلمين وتطويرها، وقد أدى ذلك إلى استهانة الأعداء بنا والتحكم في وسائل دفاعنا وأدوات صناعتنا وزراعتنا.

ومن الكبائر التي أحاطت بنا إحاطة السوار بالمعصم والقيد بالقدم والأغلال بالأعناق إهمال التنمية المستدامة، وتسليم الخامات والثروات المحلية إلى غير المسلمين يستثمرونها ويعيدونها إلينا في صورة مواد استهلاكية. وأهملنا التنمية الزراعية المستدامة وكذلك التنمية البيئية والتنمية التعلمية والبشرية.

ومن الكبائر التي انتشرت في حياة المسلمين إهمال القراءة الإبداعية والفعالة، وإهمال الكتاب، والبحث والتقصي وحل المشكلات الحياتية على أسس علمية، واقتصرت حياة المسلم على الكتب الدراسية أثناء العام الدراسي ثم إلقاء الكتب بعد الامتحان في سلال المهملات، وأهملت المكتبات العامة والخاصة وحلت محلها في البيوت التحف والثريات والسجاجيد والفرش ولم يعد الابن يتربى على حب الكتاب والقراءة الحرة، وهذه كبيرة غائبة من كتب الكبائر ومن دعوة المسلمين والمربين.

ومن الكبائر المنتشرة في حياة المسلمين شراء الدرجات العلمية والشهادات الورقية والصورية وضياع الاجتهاد في البحث العلمي والسعي نحو الإبداع والإنتاج العلمي المتميز والمتقن.
ومن الكبائر الملغاة عن حياتنا: المحسوبية وتوكيل الأمر لغير أهله، فأحبطت القدرات وساد الكسالى والجهلاء، وهذه من الكبائر القاتلة في حياتنا الحالية.

كما أن إثارة الفتن الطائفية والمذهبية والسياسية والاجتماعية المفضية إلى التنازع والفشل وضياع أمن المجتمع من الكبائر التي نهى الله تعالى عنها فقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال(46).
كما أن اهمال تحصيل العلم النافع ونشره من الفتن والكبائر التي دبت في أوصال الأمة، ومن توابع ذلك إهمال العلوم الكونية وتطبيقاتها وحصر العلم النافع في العلوم الشرعية، وقصر العلماء على علماء العلوم الشرعية وإهمال علماء العلوم الكونية من الكبائر التي نشرها الاستعمار في التربية الإسلامية.

ومن الكبائر الطبية والصحية إهمال التعقيم والتطهير وخاصة عند أطباء الأسنان والجراحة ونقل الدم مما يتسبب في نشر الأمراض المعدية كالالتهاب الكبدي والإيدز والأمراض الجلدية وغير ذلك من الأمراض المعدية، والقاعدة في ذلك أنه لا ضرر ولا ضرار، والضرر يرفع، ولا يوردن ممرض على مصح.
ومن الكبائر تشييد البنايات المخالفة للمواصفات البيئية والقانونية وما ترتب عليها من انهيارات وإزهاق الأرواح، كل ذلك من الكبائر المغيبة من حياة المسلمين.
ومخالفات السير في الشوارع العامة والطرقات أيضا من الكبائر التي يحاسب المسلم عليها ويتحمل المسؤولية عما يتسبب عن ذلك من ازعاجات ومضايقات وإصابات ومخالفات.
كما أن التفرقة بين الإناث والذكور من الأولاد في الميراث والمصاريف والتربية والتعليم من الكبائر.

وهكذا أخي المسلم إن أعدنا إلى تربيتنا ودعوتنا وتعليمنا وثقافتنا هذا الفهم المقاصدي للكبائر سادت الأخلاق الإسلامية العملية في حياتنا واختفت الكثير من المشكلات والسلبيات التي أدت إلى تخلفنا وضعفنا.
ومن المآسي التي سادت بيننا حصر العمل الصالح في الدعاء والتسبيح والصلاة والحج والعمرة وصيام التطوع وغفران الذنوب بمجرد أداء تلك المناسك وقد توسع بعض المفتين في نشر هذا الفهم الكهنوتي للدين فرأينا من يفتي بأن الراقصة العارية أمام الناس تعمل عملا شريفا وإن ماتت على ذلك فهي شهيدة.
كما أن من المشكلات التي نعاني منها هو حصر العبادة في الصلاة والصيام والحج والعمرة وإلغاء المعنى الشامل للعبادة الذي يشمل كل حياة الإنسان كما قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أول الْمُسْلِمِينَ) الأنعام(162-163).

عليك أخي المسلم أن تفكر في هذا الفهم المقاصدي للكبائر المغيبة فستجدها تشمل كل مناحي الحياة وهي سبب رئيس لما نحن فيه من هوان وتخلف.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٩٢٣ – الجمعة ٦ مايو ٢٠١٦ م، الموافق ٢٩ رجب ١٤٣٧ هـ