قرأت الخبر المؤسف والحزين والمفجع التالي في الصفحة الأولى بجريدة أخبار الخليج يوم السبت 2 أبريل 2016م: (شباب خليجيون أعلنوا إلحادهم وبعضهم يعيش في إسرائيل) وجاء في تفصيل الخبر: قال الدكتور محمد البشر أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: إن شبابا.. أعلنوا إلحادهم وتركوا دينهم (الإسلامي)، حتى أن بعضهم تخلوا عن جنسياتهم وذهبوا إلى تل أبيب للعيش هناك،

وأضاف الخبر، بحسب ما نقلته وسائل إعلام….. أنه التقى بمجموعة من المبتعثين في بريطانيا من الذين تأثروا بأفكار الإلحاد والتغريب، جاء ذلك في معرض حديث الدكتور محمد البشر عن الأثر السلبي للإعلام الجديد في تشكيل قيم الشباب وأفكارهم وتغييرها من خلال فعاليات المنتدى العالمي للشباب الذي يقام في تركيا حاليا، وفقا لموقع (سبق)- انتهى الخبر.

وأنا أضع هذا الخبر المفجع أمام الدعاة في ديارنا العربية قائلا لهم: ماذا فعلتم لتحصين الشباب ضد الأفكار والمعتقدات الفاسدة؟!
هل ناقشتم هذا الشباب فيما يدور في عقولهم من تساؤلات تطرح عليهم ويقرؤونها في وسائل الاتصال العالمية، وفي الفضاءات العالمية المفتوحة؟! ومن منكم له موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت لمحاورة هذا الشباب؟!

الحقيقة أن أسلوب بعض الدعاة في الدعوة هو الذي مكن رؤوس الإلحاد من النفاذ إلى عقول شبابنا التائه والحائر.
مازالت دعوة هؤلاء حبيسة الأبواب الأولى من كتب الفقه والخاصة بالمياه والطهارة والوضوء ونواقضه.
مازالت دعوة هؤلاء حبيسة في الشعائر والأدعية والحسد، والسحر، والشعوذة، والخلافات الزوجية والطلاق والعدة وفقه الجنائز والموتى.
مازالت خطب الجمعة لهؤلاء الدعاة أسيرة الموضوعات المكررة والموسمية.
لماذا لا تسألون أنفسكم عن نوم معظم المصلين أثناء خطبة الجمعة؟! ولماذا يخرج المصلون مسرعين من المسجد عقب التسليم من الصلاة؟!
لماذا هذه المقدمات المملة والمحفوظة والمكررة والطويلة لخطبكم يوم الجمعة؟!
ما أسباب غيابكم عن علوم العصر وقضايا العصر والواقع؟!

لا نطالبكم بأن تقحموا أنفسكم في القضايا الخلافية والسياسية المحركة للفتن والتنازع المفضي إلى الفشل وذهاب القوة والأمن، نحن فقط نطلب منكم أن تناقشوا الشباب في قضاياهم الفكرية والعقائدية بلغة عصرية وفاعلة، نحن نطالبكم بدعوة علمية عصرية تقنع الشباب المقتنع بنظرية المصادفة والعشوائية والمادية في خلق الحياة على الأرض، وأن الحياة خلقت وفق علم وتدبير وحكمة.

نحن نأمل منكم أن تناقشوا هذا الشباب في الإشارات العلمية في الآيات القرآنية والخاصة بالسماوات والأرض والبحار والنبات والحيوان والتربة ومراحل تكوين الأجنة والتنوع الحيوي في القرآن الكريم.

نطالب المسؤولين عن مدارس ومعاهد وكليات العلوم الشرعية أن يقرروا على الدارسين للعلوم الشرعية مقررات مشتركة وميسرة في العلوم الكونية (الأحياء، الفلك، الكيمياء، الجيولوجيا) والتي تكرر ذكر آياتها في القرآن الكريم.

لقد راجعت أحد التفاسير الميسرة للقرآن الكريم المعدة للترجمة وراجعت كتابا لكلمات القرآن الكريم وقد فوجئت بكمٍّ من الأخطاء العلمية في شرح الآيات والكلمات الخاصة بالقضايا والعلوم الكونية، فماذا يحدث عندما يقرأ غير المسلم هذه التفسيرات المنافية للحقائق العلمية الحديثة؟!

الشباب يسمعكم ويقرأ لكم تفسيرات للآيات القرآنية تتنافى مع أبسط الحقائق العلمية التي يدرسها التلاميذ في المرحلتين الإعدادية والثانوية وحتى الابتدائية.

العجيب أنني كلما ذهبت إلى معرض دولي للكتاب نادرا ما أقابل داعية إسلاميا يبحث عن الجديد في العلوم، لأن كل واحد منهم اكتفى بالكتب الدراسية وأمهات كتب العلوم الشرعية وحبس نفسه فيها واستغنى بها عن الجديد في العلم.

اسأل نفسك أيها الداعية ماذا تعرف عن الجزيئات الوراثية (DNA)، والأمشاج، والخلايا الحية؟! ماذا تعرف عن الفيروسات والبكتريا والعدوى ومراحل تكوين الجنين والخلايا الجذعية؟! هذه المعلومات يعلمها ابنك في المرحلتين الإعدادية والثانوية، هل تستطيع أن تطرح على الشباب نشأة الحياة على الأرض بطريقة علمية شرعية مقنعة؟!
هل تستطيع تفنيد نظرية التطور بأسلوب علمي يقنع الشباب ببطلانها؟!
هذا الصنف من الدعاة حبيس الآراء والقضايا الفقهية السابقة، ويحفظ المتون والأدلة الفقهية عن ظهر قلب، وعندما يتكلم عن إخراج الحي من الميت، وإخراج الخضر يفشل فشلا ذريعا في بيان ذلك.

عندما يسأل عن حقائق (اهتزت وربت)، و(الطير صافات)، و(إخراج النبات)، و(والجبال أوتادا)، و(أن تميد بكم) وغير ذلك يفشل فشلا ذريعا في شرح ذلك.
هذا الصنف من الدعاة بوضعهم العلمي والعقلي الحالي غائب عن العصر، وعن مخاطبة شباب الأمة بأسلوب علمي عصري، وعاجز عن الرد على الشبهات التي تطرح على شبابنا من الملحدين، والعلمانيين (بفتح العين) والمرجفين والكافرين وأعداء الله والدين.

يا دعاة المسلمين، هل اجتمعتم وقررتم إنشاء مرصد على شبكة الإنترنت للرد على شبهات الملحدين؟
للأسف لا نجد لمعظمكم مشاركة فاعلة في الصحف والمجلات والرد على الشبهات، فقط تكررون المحفوظات في دراستكم وبنفس الأسلوب القديم والممل.

الإمام الشافعي رحمه الله غير مذهبه عندما انتقل من العراق إلى مصر لأنه وجد أن الواقع العلمي والثقافي والاجتماعي في مصر مغاير للواقع في العراق.
والإمام أبو حنيفة رحمه الله كان يعقد جلسات للعصف الذهني، والحوار الإبداعي لطلابه ويطرح قضايا افتراضية ومتوقعة بطريقة يعتبرها علماء التربية والتعليم حاليا من أحدث الطرائق للتعليم والتعلم والتفكير.

على المسؤولين عن إعداد وتدريب الدعاة عقد ندوات ودورات ميسرة في مجال العلوم الكونية، وعلى كليات العلوم الشرعية أن تعد طلابها الإعداد العلمي العصري، وتدرسهم الحد الأدنى المطلوب لفهم القضايا المثارة أمام الشباب، وقضايا المرأة وتمكين الإسلام لها والحرية التي كفلها الإسلام للجميع.

أفيقوا يا دعاتنا الأعزاء قبل أن يأتي اليوم الذي تعاملون فيه من قبل الشباب المسلم معاملة لا تليق بحامل راية الدعوة والعلوم الشرعية.

من المؤلم أن يجد بعض شبابنا غايته في إسرائيل ولا يجدها في ديارنا، هذا السلوك يجب أن يؤرق الدعاة ليبحثوا عن أسباب تفضيلهم ديار العدو على الديار التي ولدوا فيها، وفيها أهلهم وأحبابهم.
وهنا ننبه الدعاة الذين يحرضون الشباب على العنف إلى أن يتقوا الله في شباب الأمة وفي التنوع الذي جعله الله سبحانه وتعالى قاعدة من قواعد الحياة السوية.

آمل أن يؤخذ هذا المقال وما حواه على مقصده الحسن، فنحن نقدر العلماء الشرعيين والدعاة والخطباء الذين يقدرون أهمية الدعوة بين الشباب بطريقة علمية شرعية.
وما ورد في هذا المقال ينطبق فقط على الدعاة الذين يسلكون المسالك السلبية.

رحم الله الشيخ أبو زهرة، والشيخ الغزالي، والشيخ كشك، والشيخ الشعراوي، والدكتور وهبة الزحيلي، والشيخ محمد الطاهرين عاشور، والشيخ عبدالرحمن بن السعدي وغيرهم، وبارك الله في الأحياء من علماء الأمة الذين يحملون همّ الدعوة ويدعون الشباب بطريقة علمية شرعية مقنعة تثبت عقيدتهم وتحميهم من سموم الملحدين وحقدهم على المؤمنين.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٩٠٩ – الجمعة ٢٢ أبريل ٢٠١٦ م، الموافق ١٥ رجب ١٤٣٧ هـ