من بلاغة القرآن في سورة القصص قول الله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إلى أم مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) (القصص: 7).

قال المفسرون: جمعت هذه الآية الواحدة بين أمرين، ونهيين، وخبرين، وبشارتين.
الأمران هما: (أرضعيه وألقيه في اليم).
النهيان هما: (ولا تخافي) (ولا تحزني).
الخبران هما: (إنا رادوه) (وجاعلوه)
البشارتان هما: (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين).
وفي السورة بيان لأصل من أصول البحث والتقصي والمتابعة الدائمة والملاحظة الدقيقة. قال تعالى: (وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ) (القصص: 11) أي تتبعي أثره – وهذا ما يجب أن يقوم به الباحث في الدراسة والبحث العلمي-: التقصي والمتابعة الدائمة والملاحظة الدقيقة فاستخدمت الأخت طريقة الملاحظة الدقيقه (فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (القصص: 11).
(فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) (القصص: 12).
-كما أن للنعمة على الإنسان مسؤولية وتبعية وواجب عدم استخدامها في ظلم الناس ومساعدة المجرمين والظالمين على ظلمهم (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ) (القصص: 17).
فإن أنعم الله عليك بالذكاء والعلم فلا تكن أداة للتخطيط للظالمين، وصناعة المواد السامة والفتاكة بالبشر، وإن أنعم الله عليك بالمال فلا تستخدمه في الإفساد في الأرض وتدعيم المفسدين، وإن أنعم عليك بتملك الإعلام فلا تكن معول هدم للأخلاق وللأمن والأمان، ولا تكن سببًا في نشر الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية، وتدعيم المحاربين للدين ولله ورسوله من العَلْمانيين (بفتح العين)، والكتاب والفنانين المفسدين.
وإن أنعم الله عليك بالمنصب والجاه فلا تستخدمه لإعطاء الحقوق والوظائف والمكافآت والتكريم لمن لا يستحقون وضع الرجل المناسب في العمل المناسب.
وإن أنعم الله عليك بالبلاغة والخطابة وكتابة الشعر فلا تستخدمه في الفساد والإفساد ونشر الكلمات الساقطة والمواقف الهابطة والسخرية من المتدينين والعلمين والعلماء.
وإن أعطاك الله القوة البدنية فلا تستخدمها في البلطجة وقطع الطريق وإهانة الناس وكن كما قال الله تعالى: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) (القصص: 77).
قال تعالى: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ *وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إلى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إلى مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فإنّ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (القصص: 22-28).
في هذا الموقف العديد من الدروس والعبر منها:
– يجوز الخروج خوفًا من القتل والحبس والتعذيب.
– يجوز سؤال المرأة الغريبة عن حالها إذا كان باديًا عليها ما يدعوك إلى السؤال من أجل تقديم المعونة.
– للمرأة إذا سئلت سؤالاً لا عوج فيه ولا شبهة أن تجيب بلا عوج أو شبهة أو خضوع.
– الشهامة والرجولة مطلوبة من الرجل على المرأة.
– مهما كانت الشدائد فالمؤمن في خير عميم.
– المرأة جاءت تبلغ دعوة أبيها الشيخ الكبير للضيف.
– مدين كانت خارجة عن سطوة الفرعون وجنوده وعيونه وسلطانه.
– النجاة من يد الظالمين نعمة يحرص المسلم عليها.
– تسليم المؤمن نفسه للظالمين قد يعرضه للفتنة والإيذاء والقتل لذا وجب الفرار.
– لا حياء من الحلول الشرعية المباحة فقد عرض الوالد على الضيف الغريب الزواج من إحدى ابنتيه.
– حدد الأب المطلوب للزواج من ابنته من دون مواربة أو غموض.
– قبل الطرف الثاني العقد ورغم الشدائد التي هو فيها حدد المدة بوضوح تام حتى لا يتسبب الغموض في مشكلات مستقبلية.
– الرأفة والرحمة بالعاملين أمر شرعي مطلوب.
– بيان الرجل أخلاقه لا غبار عليه.
– الله سبحانه وتعالى هو الوكيل والشاهد على العقود رغم اتفاق الأطراف ويجب الخوف من الله إن خالف أحدهم بنود العقد.
حددت المرأة أهم شروط العمل البدني:
– القوة حتى يستطيع القيام بواجبات العمل.
– الأمانة في الحفاظ على الأموال والأعراض وأسرار البيوت.
– إن طبقنا مبدأ الصلاحية للعمل صلحت أعمالنا. هناك أعمال تحتاج القوة والأمانة، وأعمال تحتاج للعلم والحفظ (إني حفيظ عليم)، ومعاملات تحتاج إلى الصلاح (ستجدني إن شاء الله من الصالحين). وهذا يبين أهمية وضع الرجل المناسب في العمل المناسب.
– المرأة تحضر الاجتماعات العامة، وتقوم بالعمل خارج البيت إن احتاجت لذلك (وقرن في بيوتكن) ليس لكل النساء بل لنساء النبي صلى الله عليه وسلم ومن أرادت طواعية أن تتأسى بهن دون إلزام الآخرين بذلك فلها ذلك.
(فاسألوهن من وراء حجاب) أي ساتر خاص بنساء النبي صلى الله عليه وسلم ومن أراد أن يلزم أهله بذلك يجوز بشرط ألا يطالب الآخرين بذلك ولا يلزم أحدًا أو يلوم عليه إن لم يفعل ذلك.
كلمة الحجاب ليس لها علاقة بلباس المرأة المسلمة، وإطلاق كلمة حجاب على لباس المرأة المسلمة أدى إلى شُبه ومشكلات كثيرة، واستغل العَلْمانيون هذا الخلْط في محاربة لباس المرأة المسلمة عندما تقابل غير المحارم من الرجال.
تشريع اللباس الإسلامي للمرأة دليل على مشروعية خروجها وهذا زي ولباس الخروج.
هذا ؛ والله أعلم..
والحمد لله رب العالمين

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٣٧٢٧ – الجمعة ٢٣ أكتوبر ٢٠١٥ م، الموافق ٩ محرم ١٤٣٧ هـ