عندما يقضم الواحد منا ويأكل ورقة نبات الخس أو الفجل أو الجرجير فإنه لا يتخيل أنه اكل أعظم وأفخم لوحة فنية في العالم، وأدخل في جوفه العديد من المصانع الغذائية، وإذا درسنا التركيب الداخلي لهذا المجمع الصناعي الضخم فإننا سنجد انفسنا أمام الإحكام في الخلق والابداع في البناء والتركيب.

  وإذا صبغنا التراكيب الداخلية لقطاع في الورقة النباتية بالصبغ المزدوج المستخدم في صبغ القطاعات النباتية، والمكون من صبغ السفرانين الأحمر اللون والمتخصص في صبغ الخلايا الملجنتة والمسوبرة باللون الأحمر أو البرتقالي، وصبغ الأخضر الضوئي الذي يقوم بصبغ الخلايا النباتية الرقيقة الجدر باللون الأخضر فإننا في النهاية نحصل على قطاع فني غاية في الجمال والابداع والاتقان (لتعلم طريقة صبغ القطاعات النباتية انظر كتاب التدريبات العملية في دراسة علم النبات، محمد صلاح الدين شركس، دار البحوث العلمية – الكويت (ط1)(ص16)، (1978م).

  والمعلوم علميا وتشريحيا أن للورقة سطحين احدهما علوي والثاني سفلي، يواجه السطح العلوي عادة ضوء الشمس، ويحمي السطح السفلي من اشعة الشمس.

  وتغطى الورقة جميعها من الخارج بطبقة شمعية شفافة من مادة الكيوتين (cutine) مكونة طبقة الأدمة (cuticle)، وهي بمثابة غلاف خارجي يحمي الخلايا الداخلية للورقة من فقدان الماء، أو تراكم الماء على الورقة أو دخول الفطريات والبكتيريا والفيروسات.

  وتتكيف هذه الطبقة مع البيئة الخارجية للنبات، حيث يزداد سمكها في البيئات الجافة القاسية وتقل في نباتات الظل والنباتات المائية.

  وبذلك سبقت الورقة بتركيبها السابق جميع محال ومصانع تغليف المنتجات الغذائية والنباتية وغيرها، فعندما تغطي طعامك في الصباح بهذا الغشاء الابيض الشفاف النايلوني لتحميه من الجفاف والتلوث اعلم ان الله سبحانه وتعالى غلف الورقة النباتية بغلاف كيوتيني شمعي اعجب من هذا الغلاف البلاستيكي الرقيق والمتين والشفاف والقوي.

  وتلي طبقة الأدمة إلى الداخل طبقة البشرة العليا (upper epiderms) وهي طبقة من صف واحد من الخلايا برميلية الشكل متراصة بجوار بعضها من دون مسافات تخرج منها أحيانا زوائد خلوية عجيبة الشكل والتركيب الإبري والشوكي ووحيد الخلية وعديد الخلايا تقف حامية للتراكيب الداخلية للورقة من الضوء والحرارة والرعي الجائر والقطع ومعلنة ان بداخلها تراكيب يجب عدم الاعتداء عليها.

  فمن خلق هذا؟

  ومن قدر هذا؟

  ومن ابدع هذا؟

  يقولون المصادفة والعشوائية، نقول لهم واين المصادفة والعشوائية في هذه التراكيب المعجزة والعجيبة المتقنة والمقدرة والدقيقة؟

 تلي طبقة البشرة من الداخل في النباتات الصحراوية بخاصة طبقة من الخلايا العمادية الطويلة أو طبقتان حسب الظروف الخارجية، مهمتها استقبال الضوء والقيام بعملية البناء الضوئي بما تحتويه من بلاستيدات خضراء، وبعض الاوراق يحتوي على أصباغ اخرى تضفي الجمال على الورقة أو تحميها من الاشعة الضوئية الخطرة وتسمى النسيج العمادي
(palisade tissue)، وقد هيأ الله سبحانه وتعالى هذا النسيج للقيام بعملية البناء الضوئي وهيأ خلاياه للحماية الداخلية من الضوء الشريد.

  تلي الطبقة العمادية إلى الداخل طبقات من النسيج الاسفنجي (spongy tissue) وهذا النسيج مكون من عدد كبير من الخلايا البرانشمية الرقيقة الجدر القليلة المحتوى أو الخالية عادة من البلاستيدات الخضراء تقوم بتخزين المواد الغذائية واستقبال طلائعها المتكونة بالنسيج العمادي والبلاستيدات الخضراء في الخلايا المحيطة بها، وهي غير منظمة الجدر لكي توجد مسافات بينية بينها وبين بعضها للقيام بعملية التبادل الغازي وتكون الخلايا العمادية والنسيج الاسفنجي النسيج الوسطي (mesophyll).

  مما تجدر الاشارة إليه ان تميز النسيج الوسطي في الورقة النباتية الى نسيج عمادي وآخر اسفنجي شائع في أوراق نباتات ذوات الفلقتين وليس شائعا في أوراق نباتات ذوات الفلقة الواحدة شيوعه بين اوراق ذوات الفلقتين (النبات العام، أحمد مجاهد وآخرون، مكتبة الانجلو المصرية – القاهرة: مصر (ط6) (ص229)، (1968م(.

  وتحتاج الورقة إلى أوعية توصيل للماء والمعادن والاملاح والمغذيات في التربة وتوزيعها على جميع خلايا الورقة، كما تحتاج الورقة إلى أوعية نقل للغذاء المتكون فيها ونقله إلى جميع خلايا النبات للتغذية عليه وتخزينه في الأماكن المخصصة لتخزين الغذاء في النبات ويقوم بهذه المهام كل من الخشب واللحاء، وتتوزع في الورقة شبكة محكمة لهذا وتتركز هذه الاوعية في العرق الوسطي والعروق المجاورة والمتفرعة منه، وتساعد هذه الاوعية على أداء وظيفتها الحيوية مجموعة من الأنسجة الدعامية الأخرى إما مرافقة للحزم الوعائية وإما موزعة في أجزاء مختلفة من نصل الورقة وتوجد هذه الانسجة الدعامية الاسكلرنشيمية والكولنشيمية بوجه خاص حول الحزم الوعائية الرئيسية في الورقة (النبات العام مرجع سابق، (ص 230).

  وتتكون أوعية التوصيل في حزم تسمى الحزم الوعائية وهي مكونة من الخشب ناحية السطح العلوي للورقة، ولحاء ناحية السطح السفلي، ويتكون الخشب من صفوف من الأوعية – اصغرها – وهو الخشب الأول (protoxy lem) يتجه ناحية السطح العلوي، وأكبرها – وهو الخشب التالي  (metoxy lem) – يتجه ناحية اللحاء، ويتكون اللحاء من الأوعية الغربالية.
  وتلي ذلك طبقة البشرة السفلى وهي طبقة من الخلايا المشابهة لخلايا البشرة العليا ماعدا وجود الثغور والخلايا الحارسة ويتحور التركيب الداخلي للورقة حسب البيئة التي تعيش فيها، فأوراق نبات الكافور وأوراق نبات الدفلة توجد لها طبقتان من النسيج العمادي على السطحين العلوي والسفلي للورقة لحمايتها من الأشعة الضوئية الزائدة.

  وفي نبات البشنين المائي توجد بالورقة فجوات هوائية تساعد الورقة على الطفح.

  وفي نبات الأولوديا المائي توجد بشرة عليا رقيقة الجدر وبشرة سفلى وحزمة وعائية مختزلة.
  وفي نبات قصب الرمال توجد خلايا مفصلية تعمل عند امتلائها على فك الورقة ونشر نصلها وعند الجفاف تفقد تلك الخلايا الماء وتنكمش فتعمل على التفاف الورقة وجعل البشرة العليا في الداخل، والبشرة السفلى السميكة للخارج، وفي نبات الدفلة تتكون شعيرات حول الثغور من ناحية البشرة السفلى لتحميها من الجفاف وقت عدم توافر الماء.

  وفي نباتات الظل تصبح الأوراق مفلطحة كثيرة الخلايا الاسفنجية قليلة الخلايا العمادية لاقتناص أي كمية من الطاقة الضوئية تسقط على الورقة.

  وفي النباتات الصحراوية تختزل الأوراق أو تتكون خلايا عمادية في صفوف، وتسمك البشرة ويرتفع المحتوى الحيوي المؤدي إلى زيادة الضغط الأسموزي للورقة، وهكذا تتجلى العظمة الربانية في هذا الكم الهائل من الأوراق النباتية في مختلف البيئات الأرضية وعندما يأذن الله سبحانه وتعالى بسقوط الورقة النباتية تتكون لها طبقة انفصال أو طبقة سقوط (Abscission layer)  محدودة عند قاعدة عنق الورقة تتميز بصغر خلاياها ورقة جدرها وغزارة محتوياتها الحية، ولذلك فهي تمثل موضوع ضعف في عنق الورقة، وتطرأ على جدر الخلايا في هذه المنطقة تغيرات كيماوية تحول الصفائح الوسطى – بين الخلايا المجاورة – إلى طبقات مخاطية، لا تلبث ان تذوب مما يؤدي إلى تفكك الخلايا وانفصالها، وتتكون تحت طبقة الانفصال طبقة واقية من الفلين، ولا تقوى بذلك الحزم الوعائية طويلا على مغالبة الرياح وبذلك تنفصل الورقة وتسقط (كما جاء في كتاب النبات العام مرجع سابق، (ص262)).

  وهذا يدل على ان كل شيء يقع في كون الله مقدر ومعلوم كما قال تعالى: “وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ{59} “ (الانعام/59(.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد(11802)- الجمعة 4 شعبان 1431هـ – 16 يوليو 2010م