نشر مؤخرا أن علماء أمريكيين استطاعوا خلق خلية حية، وقامت الدنيا ولم تقعد بين الجهلاء العرب، وقالوا على علماء الدين الوقوف ضد ذلك، وهي الضجة الغبية نفسها التي تقابل بها كل خبر جديد في علم الأحياء، حدث هذا مع الاستنساخ، ومع الخريطة الوراثية (الجينوم).

والحقيقة العلمية أن كل هذه البحوث عبارة عن بحوث علمية تعتمد على الخلية الحية أو أجزاء من الخلية الحية، الخلق أن تأتي بالمكونات الأولى الميتة للخلية وتكون خلية وتدب فيها الحياة، وهذا من المستحيلات العلمية، لأن علماء الأحياء وخاصة علماء الخلية وضعوا قوانين للخلية وأول هذه القوانين (أن الحياة لا تتولد إلا من الحياة، يعني البشر غير قادرين على تولد الحياة بعيدا عن الأساس الحي للكائنات الحية، كل ما يفعله الباحثون أنهم يقومون بعملية نقل لبعض المركبات ويضعونها في خلية حية كاملة أو خلية حية خالية من النواة ويقومون بذلك بإيجاد صفات جديدة مستندة في أصلها الحيوي إلى الأصل الحيوي للخلية الحية. وعندما يجهل الإنسان هذه القاعدة الذهبية في علم الخلية يظن أن الباحثين يدبون الحياة في مكونات غير حية، كل علماء العالم وكل بحوث العالم غير قادرة على تولد الحياة من أي شيء غير حي، أي إن كل علماء العالم غير قادرين على تحويل حبات الرمال الميتة إلى مركبات حية بعيدا عن استخدام خلية حية، أي أنهم غير قادرين على إخراج الحي من الميت الخالق وحده القادر على إخراج الحي من الميت كما قال تعالى: “يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ”.

العلماء قادرون فقط على تقليد الحياة وتوليدها فقط من الحياة، وهذه العملية تتم كل يوم بلايين البلايين المرات في كل خلايا الكائنات الحية، حيث تتحول المركبات الكربوهيدراتية الميتة، والدهنية الميتة، والبروتينية الميتة والفيتامينات الميتة إلى مركبات وعُضيات حية داخل الخلايا الحية، فإذا قلد الباحث هذا السلوك الحيوي بأن ادخل مركبات غير حية إلى خلية حية وغير من صفاتها فهذا يستند إلى قاعدة أن الحياة لا تتولد إلا من الحياة وكذلك إضافة جينات من كائنات حية إلى كائنات أخرى يستند إلى تلك القاعدة الخلوية وإدخال مواد أو مركبات ميتة إلى الجزيئات الوراثية وتغيير الصفات يستند إلى قاعدة (الحياة لا تتولد إلا من الحياة)، فمتى نعي هذه الحقائق العلمية، ولا ننزعج عقائديا منها، أو يدلس العلمانيون (بفتح العين) والملحدون والماديون علينا ويقولون أن الإنسان قادر على صنع خلية حية؟

لقد شاهدت الأستاذ أحمد المسلماني في برنامج (الطبعة الأولى) يوم 22/5/2010م منزعجا غاية الانزعاج من هذا البحث الأمريكي العجيب وقال هكذا نستطيع خلق كائنات حية، وقد أشفقت عليه كثيرا من هذا التصور الخاطئ وغير العلمي.

الله تحدى العالم وقال لهم: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ “ (الحج/73).فجميع علماء العالم لو اجتمعوا على خلق ذبابة واحدة دون استخدام خلية حية ولو اجتمعوا جميعا بجميع مختبراتهم ومصانعهم على خلق الذباب والخلق يكون من العدم، نعم يستطيعون اللعب في جينات الذباب وإيجاد أصناف جديدة من الذباب، هذا ليس بخلق هذه عملية توافيق وتباديل في المخلوق الحي لذلك تحداهم الله وأجزم سبحانه أنهم غير قادرين على خلق الذباب بكل قواهم العلمية والتقنية والمادية والبشرية.العلماء غير قادرين على إيجاد نبتة من حبة أو بذرة غليت وماتت، هذه حقيقة علمية.العلماء غير قادرين على القيام بما يقوم به النبات الحي والجنين الحي والبكتيريا الحية والفطريات الحية بتحويل المواد الغذائية غير الحية إلى سيتوبلازم حي ونواة حية، وميتوكوندريا حية، وريبوزومات حية، فمتى نعي ذلك ونتعلم ذلك؟!الآفة تكمن في الجهل بأساسيات العلم وأساسيات علوم الحياة (الحياة لا تتولد إلا من الحياة).

الله سبحانه وتعالى أركز وأوجد في الجزيئات الوراثية للكائنات الحياة من الخصائص المذهلة والمروعة والمعجزة التي نستطيع بالتعرف إليها ودراستها إنتاج كائنات حية من الكائنات الحية، البغل من الحصان والحمارة أو الحمار والفرس، النعجة من استنساخ خلية حية مع خلية حية، الفلاح يقوم كل يوم باستنساخ ملايين النباتات من نبات واحد بالتكاثر الخضري في الجذور والسيقان والأوراق والأزهار والثمار، زراعة الأنسجة تولد نخلة جديدة من جمار (وشذب) نخلة حية أو من ثمرتها أو ورقتها أو من أي خلية حية من النخلة، لأن كل خلية في النخلة تحمل جزيئات وراثية فيها جميع صفات النخلة، وقادرة على إنتاج نخلة جديدة، بجذورها وسيقانها وأوراقها وأزهارها وثمارها.

نحن نحتاج إلى تدريس علم الخلية الحية لطلاب العلوم الشرعية ليفهموا الأساس الوراثي للحياة، نحتاج إلى ثقافة الخلية الحية والجزيئات الوراثية للمسلمين جميعا حتى لا يفعلوا كما فعل غيرهم عندما حاكموا العلماء على اكتشافاتهم العلمية واضطروا إلى فصل الدين والكنيسة عن العلم وعلماء العلوم الكونية.الإسلام وضع قاعدة فقهية ذهبية وهي أن الأصل في الأشياء الحل ما لم يأت نص يحرم.

فالأصل في البحوث العلمية الحل ما لم يأت نص يحرم.والقاعدة الفقهية تقول (الضرر يزال) (لا ضرر ولا ضرار) الإفساد في الخلق هو المحرم، إيجاد مخلوقات ضارة من خلايا حية هو المحرم، لا تقفوا حجر عثرة أمام العلم والتقنية، نحن نحتاج إلى علم أخلاقي وتقنية خلقية وعلماء يخشون الله في كل بحوثهم وفي كل مختبراتهم وفق القاعدة النبوية “اتق الله حيثما كنت” اتق الله في المختبر، وفي البحث الحقلي والبحث الميداني، من عظمة الإسلام انه أطلق العنان للصالح فقال : “وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “ (الحج/77) .وجعل مجلس علم خيرا من عباده سبعين سنة تطوعا، وقال تعالى: ” وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا “. وقال تعالى: ” الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ “.

نحن مع كل بحث علمي يحل مشكلة حقيقية ويحقق مصلحة حقيقية للبشرية.ونحن ضد العبث في الكائنات الحياة، والبحث في الأساليب التدميرية للبشرية كالقنابل الجرثومية، والقنابل النووية، وصناعة المخدرات والمسكرات والمهلكات والمغيبات.

لا تنخدعوا بالفهم الخاطئ لكل اكتشاف علمي. ولا تسمعوا للملحدين الذين يشككون عوام المسلمين في خالقهم ودينهم وقرآنهم.نحن نمتلك أقوى وثيقة علمية إيمانية في العالم وهو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.القرآن اهتم بالمخلوقات الأرضية الحية وغير الحية اهتماما معجزا واهتم بالحيوان والنبات والكائنات الحية الدقيقة ودلنا على أساسيات الحياة بما يبعدنا عن الفتنة والضلال، فلا تقلقوا من نتائج البحوث العلمية النافعة ولا تنزعجوا من كل جديد من العلم وهكذا حال العلماء والعالمين والمؤمنين الذين لم يفتنوا عندما علموا بإسراء المصطفى (صلى الله عليه وسلم) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وفتن الجاهلون.

   واليوم نحن نذهب إلى المسجد الأقصى ونعود في سويعات، ونصعد إلى القمر في ساعات قليلة فكونوا مع الصادقين المؤمنين الذين يملكون إيمانا يدحض كل فتنة، ويكشف كل غمة، انه الإيمان الشرعي العلمي البعيد عن الخرافة وتعطيل العقل والعلم النافع.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : 11760 – الجمعة 4 يونيو 2010م، الموافق 21 جمادى الآخرة 1431هـ