كلما كتبت أو قرأت كلمتي النباتات الحزازية (Bryophyta) أو شاهدت نباتا منها أو فحصت شريحة مجهرية عنها أو درستها تذكرت اليوم الأول لي في مدرج (92) بقسم الأحياء في كلية المعلمين (التربية حاليا) جامعة عين شمس حيث يقف الدكتور محمد صلاح الدين شركس ليشرح لنا بصوته الجهوري ذي النغمة المميزة دورة حياة نبات الريشيا (Riccia) وقريبة نبات الماركانتيا (Marchantia)

أراه وهو يرسم الطور الجرثومي (Sporophytae) لكليهما بألوان جميلة وإتقان عجيب، ثم أتذكر عندما عينت معيدا في قسم النبات بكلية التربية جامعة عين شمس في عام (1972م) وأنا أرسم الحافظة الجرثومية (Capsule) لنبات الفيوناريا (Funaria) وكلها من النباتات الحزازية التابعة للنباتات الأرشيجونية (Archegoniatas) وتذكرت عملاق الأرشيجونيات وأستاذنا الحبيب الأستاذ الدكتور محمد وجيه السعداوي وهو يشرح لنا في مدرجات كلية العلوم جامعة عين شمس عن الحزازيات بأسلوب شائق ومميز وجميل، وأتذكر بعد ذلك وأنا أبحث عن النباتات الحزازية في بلدتنا الجمالية – دقهلية بمصر لأجد بعض الحزازيات القائمة (Mosses) نامية على جدران بعض أحواض المياه التي تصب فيها المساقي مياهها فأقوم بجمعها ثم فحصها وحفظها في الكلية، وأتذكر كتاب النبات العام للأستاذ الدكتور أحمد مجاهد وآخرين هذا الكتاب الذي تربينا عليه في السنوات الأولى بالجامعة ثم تأتي كتبي الكائنات الحية والبيئة (1)، والكائنات الحية والبيئة (2)، والارتقاء في الكائنات الحية التي شاركت في تأليفها وقمت بتحريرها في إدارة المناهج بالبحرين، وأتذكر مذكرة رسومات الأرشيجونيات للأستاذ الدكتور محمد وجيه السعداوي، وكشكول الأرشيجونيات الخاص بي في السنة الثالثة بكلية العلوم جامعة عين شمس وأطلس رسومات علم الأحياء الذي شاركت في إعداده، كل هذه المشاعر جالت بخاطري عندما فكرت في كتابة هذا الموضوع، انه الحب الدفين والعميق والصادق لعالم النبات الجميل الذي شاء الله سبحانه وتعالى أن يكون مجال تخصصي في دراستي الجامعية.

الحزازيات (Bryophytae) قسم من أقسام النباتات العليا (Higher plants) من النباتات الوعائية الدنيا – (Lower Vascular Plants) من النباتات الأرشيجونية (Archegontata) التي تتميز بوجود عضو تكاثر أنثوي قاروري الشكل هو الأرشيجونة (Archegonia) يتكون من بطن وعنق، وبها عضو تكاثر ذكري كمثري الشكل عادة يسمى الانثريدة (Antheridium)، وتوجد كل من الارشيجونة والانثريدة منغمسة في نسيج النبات المشيجي (Gamy tophyte) في الحزازيات المنبطحة.

وتتميز النباتات الحزازية بظاهرة تبادل الاجيال حيث يتناوب في دورة حياة النبات الحزازي كل من الطور المشيجي والطور الجرثومي (Sporophytae).

وفي النباتات الحزازية يسود في دورة الحياة ويظهر جليا للعيان الطور المشيجي يسود على الطور الجرثومي، ويعيش الطور الجرثومي معتمدا اعتمادا كليا على الطور المشيجي في التغذية والحماية.

وفي نبات الريشيا (Riccia) من النباتات الحزازية المنبطحة (Hepaticae) نجد النبات ناميا ومنبطحا على وجه الطين في الأماكن الرطبة الظليلة أو على سطح البرك الصغيرة، يكون النبات وردي الشكل يتفرع تفرعا ثنائي الشعب وبه أشباه جذور وحراشيف في التربة.

ويتكون النبات المشيجي داخليا من نسيج علوي مكون من خلايا في صفوف عمودية بها البلاستيدات الخضراء للقيام بعملية التمثيل الغذائي أو البناء الضوئي، ويوجد أسفل هذه الطبقة طبقات من الخلايا البرانشمية الرقيقة الجدر الخالية من البلاستيدات الخضراء.

وتنغمس الانثريدات الذكرية والأرشيجونيات الأنثوية في نسيج النبات المشيجي، وعندما تتفتت قطعة من النبات المشيجي فإنها تعطي أشباه الجذور والحراشيف وتنمو لتعطي نباتا مشيجيا جديدا.

وعندما تنضج الانثريدة تعطي الجراثيم الذكرية السابحة التي تسبح في الغشاء المائي المغطي للنبات أو في ميازيبه وتنجذب نحو الأرشيجونة وتدخل إلى بطن الأرشيجونة حيث تلقح البويضة وتخصبها لتعطي بعد ذلك الزيجوت (Zygot) الذي يعطي الطور الجرثومي.

تنقسم محتويات الطور الجرثومي الداخلية لتعطي الجراثيم في مجموعات رباعية (الجراثيم الرباعية) داخل بطن الأرشيجونة الذي يغطي جدار الطور الجرثومي، وعند تحلل النبات المشيجي وتحلل جدار الطور الجرثومي تنتثر الجراثيم في الطين لتنبت وتعطي طورا مشيجيا جديدا يعيد دورة الحياة.

وهناك نبات الماركانتيا من الحزازيات المنبطحة أيضا ولكنه يتميز برفع الانثريدات والارشيجونيات فوق النبات المشيجي بحامل، وبعد تخصيب الارشيجونة يكون الطور الجرثومي مكونا من قدم (Foot) وعنق (Sporangia) قصير جدا وحافظة جرثومية (Funarta) بداخلها الجراثيم تختلط بتراكيب عقيم لولبية الشكل والحركة تساعد على انتثار الجراثيم بعيدا عند خروجها بعد تحلل الحافظة.

وفي قسم الحزازيات القائمة (Moss flower) نجد النبات المشيجي (أو الطور المشيجي) يتكون من أشباه جذور وشبه ساق وأشباه أوراق سوارية الوضع على شبه الساق كما هو الحال في نبات الفيونارتا (Funarta). ويحمل نبات الفيونارتا المشيجي الارشيجونيات على قمته في زهرة حزازية (Moss flower) تحمل الارشيجونيات بين مجموعة من الخيوط العقيم ويحمل النبات المشيجي الانثريدات في زهرة حزازية مؤنثة يحيط بها الخيوط العقيم.

وعندما تتحرر السابحات الذكرية من الانثريدة فإنها تسبح في أقل كمية من الماء لتصل إلى عنق الارشيجونة ثم بطنها لتخصب البويضة التي تعطي بعد ذلك الطور الجرثومي بقدم مغموسة في مكان الارشيجونة على الطور المشيجي وله حامل (Seta) طويل ينتهي بصماد أو حافظة جرثومية (Capsule) ذات تركيب نسيجي متميز ومعجز به في الأسفل نسيج تمثيلي مغذ وبشرة خارجية وعويميد داخلي ونسيج جرثومي، وله غطاء وأسنان وطوق للمساعدة في انتشار الجراثيم بعيدا عن النبات الأم. وهذا هو التركيب الذي كنا نتلذذ برسمه وتلوينه للطلاب في شرحنا للحزازيات القائمة.

عندما تسقط الجراثيم على الأرض الرطبة فإنها تنبت لتعطي تركيبا خيطيا يسمى الخيط الأولي أو البروتونيما (Protonema) الذي يحمل بعد ذلك النباتات الحزازية الصغيرة (Young Gametophytes) التي تنمو لتعطي بعد ذلك النبات الجرثومي ليعيد دورة الحياة.
وهكذا تتم هذه الخطوات وتنبت هذه النباتات المعجزة في إيقاع متقن ومقدر.

فهل سأل الطالب نفسه من خلق هذه النباتات الحزازية وركبها بهذه الطريقة المبدعة؟!

وهل دمعت عيناه وهو يفحص النباتات الحزازية والنباتات الجرثومية بالعين المجردة وبالمجاهر الضوئية المركبة والبسيطة؟!

هل يعقل أن هذه النباتات خلقت في هذا الطين بالمصادفة والعشوائية وتطورت بالطفرة كما يدعي الدارونيون والعَلمانيون (بفتح العين) الماديون الدنيويون؟

أن هذه النباتات الحزازية محكمة التركيب الوراثي، ولها دورة حياة مقدرة وثابتة ومنظمة ومتميزة، وهي تقوم بدور مهم في تخصيب التربة الزراعية، وإنتاج الأكسجين بالبناء الضوئي، وتثبت كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون الجوي مما يجعل الحياة صالحة لحياة الكائنات الحية على الأرض.

علينا عندما ندرس هذه النباتات الحزازية أن نجعل تدريسها موقفا تربويا علميا إيمانيا يثبت عقيدة التوحيد عند النشء، ويربط دراستهم في النبات بعقيدة التوحيد في علمية بعيدة عن الأساليب الإنشائية العقيم

أن جولة علمية في البيئة المحلية مع الدارسين والنشء وجمع العينات بطريقة علمية، وفحصها وتصنيفها ورسمها وحفظها والاجتهاد في دراستها يجعل طلابنا من طلائع الفتح العلمي في عصر العلوم والتكنولوجيا التي رفعت الحواجز والطواغيت من طريق الدعوة إلى الله والى عقيدة التوحيد بالحكمة والموعظة الحسنة.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد (11914) – الجمعة 5 نوفمبر 2010 الموافق 28 ذوالقعدة 1431هـ