بقلم: د. نظمي خليل أبوالعطا

– الأرض هي المهاد الذي جعله الله تعالى البيئة المحتضنة للحبوب والبذور والجذور والدرنات والكورمات والريزومات النباتية، فمنها يتحصل على الماء والمعادن والأملاح والعناصر الغذائية النيتروجينية وهي مأهولة بالعديد من الكائنات الحية التي يتوقف عليها حياة التربة وصلاحيتها وخصوبتها، والأرض هي الجزء الأرضي من دورات الحياة كدورة النيتروجين والفوسفور والكربون وغيرها من الدورات.

– وقد خصت الآيات القرآنية الأرض واهتمت بها اهتماما بالغًا، وربطت الآيات القرآنية بين الأرض والنبات والزرع في (14) مرة، وبين القرآن الكريم الأرض الحية والأرض الميتة، والأرض المنتجة زراعيًا وهي الأرض الطيبة، والأرض الميتة والأرض الجرز، وبينت السنة النبوية أنواعًا من الأرض منها الأرض الطيبة تقبل الماء وتنبت العشب الكثير، وهي طيبة المعدن خالية من موانع الإنبات ونمو النبات، والأجادب وهي الأرض الصلبة التي لا يتسرب منها الماء ولكنها لا تنفع للزراعة، والإخاذات: وهي الأرض التي تمسك الماء، والقيعان هي الأرض المستوية الملساء لا تنبت النبات وترابها ناعم تتسرب منه المياه، والأرض الموات غير الحية القابلة للإصلاح ويعود الاهتمام بالأرض لأنها منبت البذور والأجزاء الخضرية الأرضية ومخزن السيقان والجذور المتدرنة، وتوجد الأرض الهامدة والخاشعة، وتتكون التربة الزراعية من الحصى الصغير، والرمل، والطمي والغرين ويتخللها الهواء والماء وتحتوي الكائنات الحية وبقاياها وبقايا النبات.

– وتقسم التربة إلى:

– الأرض الصفراء يغلب على تكوينها الرمل.

– والأرض الطينية السوداء يغلب عليها الطمي وارغين.

– والأرض الدبالية العضوية يغلب عليها بقايا النبات.

– قال تعالى: (وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) يس (33).

– وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إلى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ) السجدة (27).

– وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا إلى الأرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) الشعراء (7).

– وقال تعالى: (وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) النحل (65).

– فهل هناك أرض حية وأرض ميتة؟!! نعم: توجد علميا أرض ميتة لا تنبت زرعًا ولا تخرج نباتًا يتصف معظمها أنها:

1- أرض صخرية أو حصوية.

2- خالية من عديد من الكائنات الحية والدبال.

3- غير قابلة للزراعة الا بعد استصلاحها وإحيائها.

– وعلميًا توجد أرض حية لها المواصفات التالية:

1- بها جزء معدني (صخر صغير الحجم، ورمل، وطين).

2- مأهولة بالعديد من الكائنات الحية الدقيقة.

3- بها بقايا الكائنات الحية والدبال.

4- تنبت الزرع وتنميه في وجود الماء.

5- تموت وتنصحر عندما يغيب عنها الماء مدة طويلة وينزع كساءها الخضري.

– في البداية كان سطح الأرض كتلة صخرية.

– عملت بعض العوامل الجوية وبخار الماء على تشقق سطح الأرض الصخري وتفتته.

– نمت على سطح الصخور المفتتة بعض الكائنات الحية في وجود الرطوبة الجوية وضوء الشمس هذه الكائنات عبارة عن تكافل بين بعض الطحالب الخضراء المزرقة أو الخضراء وحيدة الخلية وبعض الفطريات فيقوم الطحلب بإنتاج الغذاء بالبناء الضوئي والتغذية الذاتية ويقوم الفطر بإنتاج الأحماض العضوية المفتتة للصخور والسموم الحامية للتركيب المسمى بالأشنات. ويمتص هذا التركيب الرطوبة الجوية، بعد مدة تتفتت الصخور بالأحماض العضوية التي ينتجها الفطر وتساعد درجات الحرارة المتفاوتة والأمطار الحمضية على تفتتيت الصخور بازدياد المحتوى العضوي للتربة وترتاد التربة بعض النباتات الثالوسية هي النباتات الحزازية المنبطحة يليها الحزازيات القائمة والتريديات وتأتي الحشرات والديدان والعثة والحيوانات الأولية لتستوطن التربة وتحييها بعد موتها مصداقًا لقول الله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) الحديد (17)، وقوله تعالى: (وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا) يس (33).

– هذه آيات تتوافق تمامًا مع الحقائق العلمية الدالة على الأرض الحية والأرض الميتة.

– وقد وصف الله تعالى أهم عمليتين تتمان في الأرض بعد نزول الماء عليها.

– قال تعالى: (وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) الحج (5).

– وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فصلت (39).

– هامدة: ميتة قاحلة.

– خاشعة: يابسة متطامنة جدبة.

– اهتزت: تحركت.

– ربت: ازدادت وانتفخت.

الآيتان السابقتان فيهما جوانب فيزيائية وجوانب كيماوية وجوانب أحيائية وسوف يكون التركيز على مجال تخصصي الدقيق (الجوانب الأحيائية).

– في البداية أقول أن الأرض الحية غير الملوثة والمزروعة بالزراعة العضوية فإن العشرة أمتار المكعبة منها تحتوي على:

– 200 ألف حشرة.

– 100 ألف نوع من العثة والعنكبيات.

– 20 ألف دورة حلقية.

– وأعداد لا تكتب أرقامها بسهولة من البكتيريا المستوطنة والفطريات والطحالب الخضراء المزرقة.

– ولكل نبات محيط جذري من هذه الكائنات ترتبط به ارتباطًا وثيقًا.

– الأرض القاحلة والجدبة تكون هذه الكائنات الحية كامنة ومتحوصلة وساكنة وتقوم بالعمليات الحيوية من الهدم والبناء في أدنى صورة حيوية ومن يتحرك منها في غياب الماء يهلك.

– عند نزول الماء على التربة فإنها تتشرب الماء وتتأين وتبدأ الكائنات الحية السابقة في الخروج من مكامنها ودروعها وحويصلاتها وتبدأ الجذور الكامنة والدرنات والكورمات والريزومات في النشاط هذه العمليات مجتمعة تؤدي إلى اهتزاز جزيئات التربة كما قال تعالى: (فَإِذَا أَنـزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ).

– بعد ذلك تبدأ هذه الكائنات في التغذية والنمو والانقسام والتكاثر فتزداد في الحجم والوزن والعدد وتكون النتيجة (وربت).

– هاتان الآيتان، وهاتان الكلمتان (اهتزت وربت) وحدهما يكفيان أن تكونا دليل علمي عملي تقني نباتي زراعي على ألوهية القرآن الكريم وأنه من عند العليم الخبير المقدر سبحانه وتعالى، وهذا يبطل كل إدعاء ببشرية القرآن الكريم لذلك كان القرآن الكريم هو المعجزة العلمية التي تحدى الله تعالى بها كل المنكرين والمرجفين والعلمانيين (بفتح العين) والملحدين والمنافقين أن يأتو بسورة من مثله.

– إحدى النصرانيات تدعي أن كفار مكة قالوا لو شئنا لجئنا بمثله، ولكن الحقيقة أنهم عجزوا وفشلوا في إثبات ادعائهم وللآن لم يأت أحد بمثل هذا الكتاب الكريم بما فيه من إعجاز بياني، وإعجاز بنائي، وإعجاز عددي، وإعجاز تاريخي وإعجاز جغرافي، وإعجاز جيولوجي وحيواني ونباتي وكوني. نحن نعلم أن القرآن الكريم كتاب هداية وليس كتاب أدب أو تاريخ أو جغرافيا أو كتاب جيولوجيا أو كتاب في علم النبات أو في علم الحيوان أو في الفلك ولكنه كتاب هداية ضمنه الله تعالى إشارات علمية تدلل دلالة قاطعة أن خالق الكون بما فيه من حقائق علمية هو منزل القرآن الكريم بما فيه من آيات وإشارات علمية.

والحمد لله رب العالمين.

نشرت هذه المقالة في جريدة أخبار الخليج – الملحق الإسلامي – العدد : ١٥٦٠٣ – الجمعة ١١ ديسمبر ٢٠٢٠ م، الموافق ٢٦ ربيع الآخر ١٤٤٢هـ